﴿ وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ﴾ أي عما يفترون ويعتقدون في عيسى من أنه هو الله، أو أنه ثالث ثلاثة، أوعدهم بإصابة العذاب الأليم لهم في الدنيا بالسبي والقتل، وفي الآخرة بالخلود في النار، وقدم الوعيد على الاستدلال بسمات الحدوث إبلاغاً في الزجر أي : هذه المقالة في غاية الفساد، بحيث لا تختلف العقول في فسادها، فلذلك توعد أوّلاً عليها بالعذاب، ثم اتبع الوعيد بالاستدلال بسمات الحدوث على بطلانها.
وليمسنّ اللام فيه جواب قسم محذوف قبل أداة الشرط، وأكثر ما يجيء هذا التركيب وقد صحبت أن اللام المؤذنة بالقسم المحذوف كقوله :﴿ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ﴾ ونظير هذه الآية :﴿ وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ﴾ ومثله :﴿ وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ﴾ ومعنى مجيء إن بغير باء، دليل على أنه قبل إنْ قسم محذوف إذ لولا نية القسم لقال : فإنكم لمشركون الذين كفروا أي : الذين ثبتوا على هذا الاعتقاد.
وأقام الظاهر مقام المضمر، إذ كان الربط يحصل بقوله : ليمسنهم، لتكرير الشهادة عليهم بالكفر في قوله : لقد كفر وللإعلام بأنهم كانوا بمكان من الكفر، إذ جعل الفعل في صلة الذين وهي تقتضي كونها معلومة للسامع مفروغاً من ثبوتها، واستقرارها لهم ومن في منهم للتبعيض، أي كائناً منهم، والربط حاصل بالضمير، فكأنه قيل : كافرهم وليسوا كلهم بقوا على الكفر، بل قد تاب كثير منهم من النصرانية.
ومن أثبت أنّ مَن تكون لبيان الجنس أجاز ذلك هنا، ونظره بقوله :﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان ﴾. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon