قال تعالى في صفتها ﴿وَصَدَّقَتْ بكلمات رَبَّهَا وَكُتُبِهِ﴾ [ التحريم : ١٢ ] وثانيها : أنه تعالى قال :﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً﴾ [ مريم : ١٧ ] فلما كلمها جبريل وصدقته وقع عليها اسم الصديقة، وثالثها : أن المراد بكونها صديقة غاية بعدها عن المعاصي وشدة جدها واجتهادها في إقامة مراسم العبودية، فإن الكامل في هذه الصفة يسمى صديقاً قال تعالى :﴿فَأُوْلَئِكَ مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مّنَ النبيين والصديقين﴾ [ النساء : ٦٩ ].
ثم قال تعالى :﴿كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام ﴾.
واعلم أن المقصود من ذلك : الاستدلال على فساد قول النصارى، وبيانه من وجوه : الأول : أن كل من كان له أم فقد حدث بعد أن لم يكن، وكل من كان كذلك كان مخلوقاً لا إلها، والثاني : أنهما كانا محتاجين، لأنهما كانا محتاجين إلى الطعام أشد الحاجة، والإله هو الذي يكون غنياً عن جميع الأشياء، فكيف يعقل أن يكون إلها.
الثالث : قال بعضهم : إن قوله ﴿كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام﴾ كناية عن الحدث لأن من أكل الطعام فإنه لا بدّ وأن يحدث، وهذا عندي ضعيف من وجوه : الأول : أنه ليس كل من أكل أحدث، فإن أهل الجنة يأكلون ولا يحدثون.
الثاني : أن الأكل عبارة عن الحاجة إلى الطعام، وهذه الحاجة من أقوى الدلائل على أنه ليس بإله، فأي حاجة بنا إلى جعله كناية عن شيء آخر.
الثالث : أن الإله هو القادر على الخلق والايجاد، فلو كان إلها لقدر على دفع ألم الجوع عن نفسه بغير الطعام والشراب، فما لم يقدر على دفع الضرر عن نفسه كيف يعقل أن يكون إلها للعالمين، وبالجملة ففساد قول النصارى أظهر من أن يحتاج فيه إلى دليل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٥١ ـ ٥٢﴾


الصفحة التالية
Icon