وقال أبو السعود :
﴿ مَا المسيح ابن مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ ﴾ استئناف مَسوقٌ لتحقيق الحق الذي لا محيد عنه، وبيانِ حقيقة حاله عليه السلام وحالِ أمه بالإشارة أولاً إلى أشرفِ ما لهما من نعوت الكمال التي بها صارا من زمرة أكمل أفراد الجنس، وآخراً إلى الوصف المشترك بينهما وبين جميع أفرادِ البشر، بل أفرادِ الحيوان استنزالاً لهم بطريق التدريج عن رتبة الإصرار على ما تقوّلوا عليهما وإرشاداً لهم إلى التوبة والاستغفار، أي هو مقصور على الرسالة لا يكاد يتخطاها، وقوله تعالى :﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل ﴾ صفة لرسول مُنْبئة عن اتصافه بما ينافي الألوهية. فإن خلو الرسل السالفة عليهم السلام منذر بخلوِّه المقتضي لاستحالة ألوهيته أي ما هو إلا رسول كالرسل الخالية من قبله خصه الله تعالى ببعضٍ من الآيات كما خص كلاًّ منهم ببعضٍ آخرَ منها، فإنْ أحيا الموتى على يده فقد أحيا العصا في يد موسى عليه السلام وجعلت حية تسعى، وهو أعجب منه، وإن خُلق من غير أبٍ فقد خَلَق آدمَ من غير أب ولا أم، وهو أغرب منه، وكل ذلك من جنابه عز وجل، وإنما موسى وعيسى مظاهرُ لشؤونه وأفعاله ﴿ وَأُمُّهُ صِدّيقَةٌ ﴾ أي وما أمه أيضاً إلا كسائر النساء اللاتي يلازِمْن الصدق أو التصديق، ويبالغْن في الاتصاف به فما رتبتُهما إلا رتبةُ بشرَيْن، أحدُهما نبي والآخر صحابي، فمن أين لكم أن تصفوها بما لا يوصفُ به سائرُ الأنبياء وخواصُّهم؟ ﴿ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام ﴾ استئناف مبين لما أشير إليه من كونهما كسائر أفراد البشر في الاحتياج إلى ما يحتاج إليه كل فرد من أفراده بل من أفراد الحيوان. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon