قوله تعالى :﴿ وحسبوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾.
المعنى ظن هؤلاء الذين أخذ عليهم الميثاق أنه لا يقع من الله عز وجل ابتلاء واختبار بالشدائد، اغتراراً بقولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه، وإنما اغتروا بطول الإمهال.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي "تَكُونُ" بالرفع ؛ ونصب الباقون ؛ فالرفع على أن حَسِب بمعنى عَلِمَ وتَيقن.
و"أنْ" مخففّة من الثقيلة ودخول "لا" عوض من التخفيف، وحذف الضمير لأنهم كرهوا أن يليها الفعل وليس من حكمها أن تدخل عليه ؛ ففصلوا بينهما ب "لا".
ومن نصب جعل "أَنْ" ناصبة للفعل، وبقي حَسِب على بابه من الشك وغيره.
قال سيبويه : حسبت ألاّ يقولُ ذلك ؛ أي حسبت أنه قال ذلك.
وإن شئت نصبت ؛ قال النحاس : والرفع عند النحويين في حَسِب وأخواتها أجود كما قال :
أَلاَ زعمتْ بَسْبَاسَةُ اليومَ أنّني...
كَبِرتُ وألاّ يَشْهَدُ اللّهْو أمثالي
وإنما صار الرفع أجود ؛ لأن حسِب وأخواتها بمنزلة العلم لأنه شيء ثابت. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
وقال الآلوسى :
﴿ وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ أي ظن بنو إسرائيل أن لا يصيبهم من الله تعالى بما فعلوا بلاء وعذاب لزعمهم كما قال الزجاج أنهم أبناء الله تعالى وأحباؤه أو لإمهال الله تعالى لهم أو لنحو ذلك، وعن مقاتل تفسير الفتنة بالشدة والقحط، والأولى حملها على العموم، وعلى التقديرين ليس المراد منها معناها المعروف.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب ﴿ أَن لا تَكُونُ ﴾ بالرفع على ﴿ إن ﴾ هي المخففة من الثقيلة، وأصله أنه لا تكون فخفف ﴿ إن ﴾ وحذف ضمير الشأن وهو اسمها وتعليق فعل الحسبان بها، وهي للتحقيق لتنزيله منزلة العلم لكمال قوته.