و﴿ إن ﴾ بما في حيزها سادّ مسد مفعوليه، وقيل : إن حسب هنا بمعنى علم، و﴿ إن ﴾ لا تخفف إلا بعدما يفيد اليقين، وقيل : إن المفعول الثاني محذوف أي وحسبوا عدم الفتنة كائناً، ونقل ذلك عن الأخفش، و﴿ تَكُونُ ﴾ على كل تقدير تامة. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾
عطف على قوله :﴿ كَذّبوا ﴾ [ المائدة : ٧٠ ] و﴿ يقتلون ﴾ [ المائدة : ٧٠ ] لبيان فساد اعتقادهم النّاشيء عنه فاسد أعمالهم، أي فعلوا ما فعلوا من الفظائع عن تعمّد بغرور، لا عنْ فلتة أو ثائرة نفس حتّى يُنيبُوا ويتوبوا.
والضّمائر البارزة عائدة مثل الضّمائر المتقدّمة في قوله ﴿ كذّبوا ﴾ و﴿ يقتلون ﴾.
وظنّوا أنّ فعلهم لا تلحقهم منه فتنة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾
فصل
قال الفخر :
ذكر المفسرون في ( الفتنة ) وجوهاً، وهي محصورة في عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، ثم عذاب الدنيا أقسام : منها القحط، ومنها الوباء، ومنها القتل، ومنها العداوة، ومنها البغضاء فيما بينهم، ومنها الادبار والنحوسة، وكل ذلك قد وقع بهم، وكل واحد من المفسرين حمل الفتنة على واحد من هذه الوجوه.
واعلم أن حسبانهم أن لا تقع فتنة يحتمل وجهين : الأول : أنهم كانوا يعتقدون أن النسخ ممتنع على شرع موسى عليه السلام، وكانوا يعتقدون أن الواجب عليهم في كل رسول جاء بشرع آخر أنه يجب عليهم تكذيبه وقتله، والثاني : أنهم وإن اعتقدوا في أنفسهم كونهم مخطئين في ذلك التكذيب والقتل إلا أنهم كانوا يقولون : نحن أبناء الله وأحباؤه، وكانوا يعتقدون أن نبوّة أسلافهم وآبائهم تدفع عنهم العقاب الذي يستحقونه بسبب ذلك القتل والتكذيب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٤٨ ـ ٤٩﴾
وقال ابن عاشور :
والفتنة مَرْج أحوال النّاس واضطرابُ نظامهم من جرّاء أضرار ومصائب متواليّة، وقد تقدّم تحقيقها عند قوله :﴿ إنَّما نحن فتنة ﴾ في سورة البقرة ( ١٠٢ ).