واختلف المفسرون في المراد بهاتين المرتين على وجوه : الأول : المراد أنهم عموا وصموا في زمان زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام، ثم تاب الله على بعضهم حيث وفق بعضهم للإيمان به، ثم عموا وصموا كثير منهم في زمان محمد عليه الصلاة والسلام فأن أنكروا نبوّته ورسالته، وإنما قال ﴿كَثِيرٌ مّنْهُمْ﴾ لأن أكثر اليهود وإن أصروا على الكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام إلا أن جمعاً منهم آمنوا به : مثل عبد الله بن سلام وأصحابه.
الثاني : عموا وصموا حين عبدوا العجل، ثم تابوا عنه فتاب الله عليهم، ثم عموا وصموا كثير منهم بالتعنت، وهو طلبهم رؤية الله جهرة ونزول الملائكة : الثالث : قال القفال رحمه الله تعالى : ذكر الله تعالى في سورة بني إسرائيل ما يجوز أن يكون تفسيراً لهذه الآية فقال ﴿وَقَضَيْنَا إلى بَنِى إسراءيل فِى الكتاب لَتُفْسِدُنَّ فِى الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَآء وَعْدُ أولاهما بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خلال الديار وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ وأمددناكم بأموال وَبَنِينَ وجعلناكم أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾ [ الإسراء : ٤ ٦ ] فهذا في معنى ﴿فَعَمُواْ وَصَمُّواْ﴾ ثم قال ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا﴾ [ الإسراء : ٧ ] فهذا في معنى قوله ﴿ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مّنْهُمْ﴾ الرابع : أن قوله ﴿فَعَمُواْ وَصَمُّواْ﴾ إنما كان برسول أرسل إليهم مثل داود وسليمان وغيرهما فآمنوا به فتاب الله عليهم، ثم وقعت فترة فعموا وصموا مرة أخرى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٤٩﴾
فائدة
قال الفخر :