قريء :﴿عموا وصموا﴾ بالضم على تقدير : عماهم الله وصمهم الله، أي رماهم وضربهم بالعمى والصمم، كما تقول نزكته إذا ضربته بالنزك، وهو رمح قصير، وركبته إذا ضربته بركبتك. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٤٩﴾

فصل


قال الفخر :
في قوله ﴿ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مّنْهُمْ﴾ وجوه :
الأول : على مذهب من يقول من العرب "أكلوني البراغيث" والثاني : أن يكون ﴿كَثِيرٌ مّنْهُمْ﴾ بدلاً عن الضمير في قوله ﴿ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ﴾ والإبدال كثير في القرآن قال تعالى :﴿الذى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْء خَلَقَهُ﴾ [ السجدة : ٧ ] وقال :﴿وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ [ آل عمران : ٩٧ ] وهذا الإبدال هاهنا في غاية الحسن، لأنه لو قال : عموا وصموا لأوهم ذلك أن كلهم صاروا كذلك، فلما قال ﴿كَثِيرٌ مّنْهُمْ﴾ دل على أن ذلك حاصل للأكثر لا للكل.
الثالث : أن قوله ﴿كَثِيرٌ مّنْهُمْ﴾ خبر مبتدأ محذوف، والتقدير : هم كثير منهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٤٩﴾
قال السمرقندى :
﴿ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ﴾ يعني : عموا عن الحق، وصمّوا عن الهدى، فلم يسمعوه، ﴿ ثُمَّ تَابَ الله عَلَيْهِمْ ﴾ يقول : تجاوز عنهم، ورفع عنهم البلاء، فلم يتوبوا ﴿ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مّنْهُمْ ﴾ ويقال : معناه تاب الله على كثير منهم، ﴿ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مّنْهُمْ ﴾ ويقال : من تاب الله عليهم، يعني : بعث محمداً ﷺ ليدعوهم إلى التوراة ﴿ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ ﴾ بتكذيب محمد ﷺ، ويقال :﴿ وَصَمُّواْ ثُمَّ ﴾ حين عبدوا العجل، ثم تاب الله عليهم بعدما قتلوا سبعين ألفاً وهذا على جهة المثل.
يعني : لم يعملوا بما سمعوا، ولم يعتبروا بما أبصروا، فصاروا كالعمي والصمي.


الصفحة التالية