والبصير مبالغة في المُبصر، كالحَكيم بمعنى المُحْكم، وهو هنا بمعنى العَليم بكلّ ما يقع في أفعالهم الّتي من شأنها أن يُبصرها النّاس سواء ما أبصره النّاس منها أم مَا لم يبصروه، والمقصود من هذا الخبر لازم معناه، وهو الإنذار والتّذكير بأنّ الله لا يخفى عليه شيء، فهو وعيد لهم على ما ارتكبوه بعد أن تاب الله عليهم.
وقرأ نافع، وابن كثير، وابن عامر، وعاصم، وأبو جعفر ﴿ أن لا تكونَ ﴾ بفتح نون تكون على اعتبار ( أنْ ) حرف مصدر ناصب للفعل.
وقرأ أبو عمرو، وحمزة، ويعقوبُ، وخَلَف بضم النّون على اعتبار ( أنْ ) مخفّفة من ( أنّ ) أخت ( إنّ ) المكسورةِ الهمزة، وأنّ إذا خفّفت يبطل عملها المعتاد وتصير داخلة على جملة.
وزعم بعض النّحاة أنّها مع ذلك عاملة، وأنّ اسمها ملتزَم الحذف، وأنّ خبرها ملتزم كونه جملة.
وهذا توهّم لا دليل عليه.
وزاد بعضهم فزعم أنّ اسمها المحذوف ضمير الشأن.
وهذا أيضاً توهّم على توهّم وليس من شأن ضمير الشأن أن يكون مَحذوفاً لأنّه مجْتلب للتّأكيد، على أنّ عدم ظهوره في أي استعمال يفنّد دعوى تقديره. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾
فائدة
قال الفخر :
لا شك أن المراد بهذا العمى والصمم الجهل والكفر، فنقول : إن فاعل هذا الجهل هو الله تعالى أو العبد، والأول : يبطل قوله المعتزلة، والثاني : باطل لأن الإنسان لا يختار ألبتة تحصيل الجهل والكفر لنفسه.
فإن قالوا : إنما اختاروا ذلك لأنهم ظنوا أنه علم.
قلنا : حاصل هذا أنهم إنما اختاروا هذا الجهل لسبق جهل آخر، إلا أن الجهالات لا تتسلسل بل لا بدّ من انتهائها إلى الجهل الأول، ولا يجوز أن يكون فاعله هو العبد لما ذكرناه، فوجب أن يكون فاعله هو الله تعالى.
ثم قال تعالى :﴿والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ أي من قتل الأنبياء وتكذيب الرسل، والمقصود منه التهديد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٤٩ ـ ٥٠﴾
فائدة
قال أبو حيان :
﴿ والله بصير بما يعملون ﴾ هذا فيه تهديد شديد، وناسب ختم الآية بهذه الجملة المشتملة على بصير، إذ تقدّم قبله فعموا. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ﴾