قال مكي بن أبي طالب : من رفع جعل "أن" مخفّفة من الثقيلة، وأضمر معها "الهاء" وجعل "حسبوا" بمعنى : أيقنوا، لأن "أن" للتأكيد، والتأكيد لا يجوز إِلا مع اليقين.
والتقدير : أنه لا تكون فتنة.
ومن نصب جعل "أن" هي الناصبة للفعل، وجعل "حسبوا" بمعنى : ظنوا.
ولو كان قبل "أن" فعلٌ لا يصلح للشك، لم يجز أن تكون إِلا مخففة من الثقيلة، ولم يجز نصب الفعل بها، كقوله :﴿ أفلا يرون ألا يرجع إِليهم ﴾ [ طه : ٨٩ ] و﴿ علم أن سيكون ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وقال أبو علي : الأفعال ثلاثة : فعلٌ يدلُ على ثبات الشيء واستقراره، نحو العلم والتيقّن، وفعلٌ يدلُ على خلاف الثبات والاستقرار، وفعلٌ يجذب إِلى هذا مرة، وإِلى هذا أُخرى، فما كان معناه العلم، وقعت بعده "أن" الثقيلة، لأن معناها ثبوت الشيء واستقراره، كقوله :﴿ ويعلمون أن الله هو الحق المبين ﴾ [ النور : ٢٥ ] ﴿ ألم يعلم بأن الله يرى ﴾ [ العلق : ١٤ ] وما كان على غير وجه الثبات والاستقرار نحو : أطمع وأخاف وأرجو، وقعت بعده "أن" الخفيفة، كقوله :﴿ فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] ﴿ تخافون أن يتخطفكم الناس ﴾ [ الأنفال : ٢٦ ] ﴿ فخشينا أن يرهقهما ﴾ [ الكهف : ٨٠ ] ﴿ أطمع أن يغفر لي ﴾ [ الشعراء : ٨٢ ] وما كان متردداً بين الحالين مثل حسبتُ وظننت، فإنه يُجعلُ تارةً بمنزلة العلم، وتارةً بمنزلة أرجو وأطمع وكلتا القراءتين في ﴿ وحسبوا ألا تكون فتنة ﴾ قد جاء بها التنزيل.
فمثل مذهب من نصب ﴿ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم ﴾ [ الجاثية : ٢١ ] ﴿ أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ﴾ [ العنكبوت : ٤ ] ﴿ أحسب الناس أن يتركوا ﴾ [ العنكبوت : ٢ ] ومثلُ مذهب مَنْ رفع ﴿ أيحسبون أنما نمدّهم ﴾ [ المؤمنون : ٥٥ ] ﴿ أم يحسبون انا لا نسمع سرهم ﴾ [ الزخرف : ٨٠ ].
قال ابن عباس : ظنوا أن الله لا يعذبهم، ولا يبتليهم بقتلهم الأنبياء، وتكذبيهم الرسل.