﴿ والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ أي بما عملوا، وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية استحضاراً لصورتها الفظيعة ورعايةً للفواصل، والجملة تذييلٌ أشير به إلى بطلان حُسْبانهم المذكور ووقوع العذاب من حيث لم يحتسبوا، إشارةٌ إجمالية اكتُفيَ بها تعويلاً على ما فُصِّل نوع تفصيل في سورة بني إسرائيلَ، والمعنى حسبوا أن لا يصيبهم عذابٌ ففعلوا ما فعلوا من الجنايات العظيمة المستوجبة لأشد العقوبات والله بصيرٌ بتفاصيلها فكيف لا يؤاخذهم بها؟ ومن أين لهم ذلك الحسبانُ الباطل؟ ولقد وقع ذلك في المرة الأولى حيث سلط الله تعالى عليهم بُخْتَ نصَّر عامل لهراسِبَ على بابل، وقيل : جالوتَ الجزري، وقيل : سنجاريبَ من أهل نينوى، والأول هو الأظهر فاستولى على بيت المقدس فقتل من أهله أربعين ألفاً ممن يقرأ التوراة، وذهب بالبقية إلى أرضه فبقُوا هناك على أقصى ما يكون من الذل والنكد إلى أن أحدثوا توبةً صحيحة، فردهم الله عز وجل إلى ما حكي عنهم من حسنِ الحال، ثم عادوا إلى المرة الآخرة من الإفساد، فبعث الله تعالى عليهم الفرسَ فغزاهم ملكُ بابلَ من ملوك الطوائف اسمُه خيدرود، وقيل : خيدروس، ففعل بهم ما فعل، قيل : دخل صاحب الجيش مذبحَ قرابينهم فوجد فيه دماً يغلي فسألهم، فقالوا : دمُ قربانٍ لم يقبل منا، فقال : ما صَدَقوني، فقتل عليه ألوفاً منهم، ثم قال : إن لم تصدُقوني ما تركت منكم أحداً، فقالوا : إنه دمُ يحيى عليه السلام، فقال : بمثل هذا ينتقم الله منكم، ثم قال : يا يحيى قد علم ربي وربك ما أصاب قومَك من أجلك فاهدأ بإذن الله تعالى قبل ألا أبقيَ أحداً منهم، فهدأ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon