وقلت له : إن هناك ثلاثة من أكابر القراء في صدر الإسلام هم :" أبو عمرو " و" حمزة " و" الكسائي "، وكان لكل منهم أسلوب متميز. وعندما نعلم أن " أنْ " تنصب الفعل لا بد أن يكون الفعل الذي يليها لا يدل على العلم واليقين والتبين، " فأن " بعد العلم لا تنصب، كقوله الحق :﴿ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض ﴾ [ المزمل : ٢٠ ].
وألفية ابن مالك تقول :( وبلن انصبه وكي كذابِأَنْ لا بعد علم ). أما " أن " التي من بعد ظن فمن الممكن أن تنصب ومن الممكن أن يُرفع الفعل بعدها، فالذي رجح وجود الفعل وأدركه إدراكاً راجحا يرفع، والذي لم يكن لديه هذا الإدراك الراجح ينصب، والرفع هو قراءة الكسائي وأبي عمرو وحمزة. فقد بنوا الأمر على أنَّ الرجحان يقرب من اليقين. وما دام قد حدث ذلك تكون " أَنْ " هنا هي " أن " المؤكدة، لا " أن " الناصبة ويسمونها أن المخففة من الثقيلة فأصلها أنّ.
﴿ وحسبوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾. وتأتي " فتنة " بالرفع لأنها اسم تكون. و" تكون " من " كان.
و" كان " لها اسم مرفوع وخبر منصوب. وهي هنا ليس لها خبر ؛ لأنها مِن " كان التامة ". فهناك " كان الناقصة " وهناك " كان التامة ". ونقول ذلك حتى نتقن فهم القرآن، مثلما نقرأ قوله الحق :﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ.. ﴾ [ البقرة : ٢٨٠ ].


الصفحة التالية
Icon