ولما أمرهم بما يفهم منه الإخلاص لله تعالى في العبادة لما ذكر من جلاله وأن ما سواه مربوب، ولأنه أغنى الأغنياء، فمن أشرك به شيئاً لم يعتد له بعبادة، علل ذلك بقوله :﴿إنه من يشرك﴾ أي الآن أو بعد الآن في زمن من الأزمان ﴿بالله﴾ أي الذي تفرد بالجلال في عبادة أو فيما هو مختص به من صفة أو فعل ﴿فقد حرم الله﴾ أي الذي له الأمر كله فلا أمر لأحد معه ﴿عليه الجنة﴾ أي منعه من دخولها منعاً عظيماً متحتماً.
ولما كان المنع من دار السعداء مفهماً لكونه في دار الأشقياء، صرح به فقال :﴿ومأواه﴾ أي محل سكناه ﴿النار﴾ ولما جرت عادة الدنيا بأن من نزل به ضيم يسعى في الخلاص منه بأنصاره وأعوانه، نفى ذلك سبحانه مظهراً للوصف المقتضي لشقائهم تعليلاً وتعميماً فقال :﴿وما للظالمين﴾ أي لهم لظلمهم ﴿من أنصار﴾ لا بفداء ولا بشفاعة ولا مقاهرة بمجاهرة ولا مساترة، لأن من وضع عمله في غير موضعه فكان ماشياً في الظلام، لا تمكنه أصلاً مقاومة من هو في أتم ضياء، وهذا على التهديد على الكفر فلا يصح أن يكون على مطلق المعصية ولو كانت كبيرة، فبطل قول المعتزلة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥١١ ـ ٥١٢﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما استقصى الكلام مع اليهود شرع هاهنا في الكلام مع النصارى فحكى عن فريق منهم أنهم قالوا : إن الله هو المسيح ابن مريم، وهذا هو قول اليعقوبية لأنهم يقولون : إن مريم ولدت إلها، ولعلّ معنى هذا المذهب أنهم يقولون : إن الله تعالى حل في ذات عيسى واتحد بذات عيسى، ثم حكى تعالى عن المسيح أنه قال.
وهذا تنبيه على ما هو الحجة القاطعة على فساد قول النصارى، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لم يفرق بين نفسه وبين غيره في أن دلائل الحدوث ظاهرة عليه.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بالله فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجنة وَمَأْوَاهُ النار وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ﴾ ومعناه ظاهر.