فصل
قال الفخر :
اعلم أن المقصود بيان عتو بني إسرائيل وشدة تمردهم عن الوفاء بعهد الله، وهو متعلق بما افتتح الله به السورة، وهو قوله ﴿أَوْفُواْ بالعقود﴾ [ المائدة : ١ ] فقال ﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إسراءيل﴾ يعني خلقنا الدلائل وخلقنا العقل الهادي إلى كيفية الاستدلال، وأرسلنا إليهم رسلاً بتعريف الشرائع والأحكام.
وقوله ﴿كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تهوى أَنفُسُهُمْ﴾ جملة شرطية وقعت صفة لقوله ﴿رُسُلاً﴾ والراجع محذوف، والتقدير : كلما جاءهم رسول منهم بما لا تهوى أنفسهم، أي بما يخالف أهواءهم وما يضاد شهواتهم من مشاق التكليف. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٤٦ ـ ٤٧﴾
وقال السمرقندى :
قوله تعالى :﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إسراءيل ﴾ يعني : عهدهم في التوراة، ﴿ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تهوى أَنفُسُهُمْ ﴾ يعني : بما لا يوافق هواهم، ﴿ فَرِيقاً كَذَّبُواْ ﴾ مثال عيسى ومن قبله، ﴿ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ ﴾ مثل يحيى وزكريا، وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام، فالله تعالى أمر النبي بتبليغ الرسالة، وأمره بأن لا يحزن عليهم إن لم يؤمنوا، لأنهم من أهل السوء الذين فعلوا هذه الأفعال. أ هـ ﴿بحر العلوم حـ ١ صـ ﴾
وقال ابن عطية :
قوله عز وجل :﴿ لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ﴾ الآية، استئناف خبر بفعل أوائلهم وما نقضوا من العهود واجترحوا من الجرائم، أي إن العصا من العصية، وهؤلاء يا محمد من أولئك فليس قبيح فعلهم ببدع، و﴿ كلما ﴾ ظرف والعالم فيه كذبوا ويقتلون.. وقوله تعالى :﴿ بما لا تهوى أنفسهم ﴾ يقتضي أن هواهم كان غير الحق وهو ظاهر هوى النفس متى أطلق، فمتى قيد بالخير ساغ ذلك، ومنه قول عمر رضي الله عنه في قصة أسارى بدر : فهوى رسول الله ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت أنا، وقوله تعالى :﴿ فريقاً كذبوا ﴾ معناه كذبوه فقط، يريد الفريق من الرسل ولم يقتلوه، وفريقاً من الرسل كذبوه وقتلوه، فاكتفى بذكر القتل إذ هو يستغرق التكذيب. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً ﴾.
قد تقدّم في "البقرة" معنى الميثاق وهو ألا يعبدوا إلاَّ الله، وما يتصل به.
والمعنى في هذه الآية لا تأس على القوم الكافرين فإنا قد أعذرنا إليهم، وأرسلنا الرسل فنقضوا العهود.
وكل هذا يرجع إلى ما افتتحت به السورة وهو قوله :﴿ أَوْفُواْ بالعقود ﴾.