وقال الآلوسى :
﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً ﴾ أمر بتبكيتهم إثر التعجيب من أحوالهم، والمراد بما لا يملك عيسى، أو هو وأمه عليهما الصلاة والسلام، والمعنى أتعبدون شيئاً لا يستطيع مثل ما يستطيعه الله تعالى من البلايا والمصائب، والصحة والسعة، أو أتعبدون شيئاً لا استطاعة له أصلاً، فإن كل ما يستطيعه البشر بإيجاد الله تعالى وإقداره عليه لا بالذات، وإنما قال سبحانه :﴿ مَا ﴾ نظراً إلى ما عليه المحدث عنه في ذاته، وأول أمره وأطواره توطئة لنفي القدرة عنه رأساً، وتنبيهاً على أنه من هذا الجنس، ومن كان بينه وبين غيره مشاركة وجنسية كيف يكون إلهاً، وقيل : إن المراد بما كل ما عبد من دون الله تعالى كالأصنام وغيرها فغلب ما لا يعقل على من يعقل تحقيراً، وقيل : أريد بها النوع كما في قوله تعالى :﴿ فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء ﴾ [ النساء : ٣ ].
وقيل : يمكن أن يكون المراد الترقي من توبيخ النصارى على عبادة عيسى عليه الصلاة والسلام إلى توبيخهم على عبادة الصليب فما على بابها، ولا يخفى بعده وتقديم الضر على النفع لأن التحرز عنه أهم من تحري النفع ولأن أدنى درجات التأثير دفع الشر ثم جلب الخير، وتقديم المفعول الغير الصريح على المفعول الصريح لما مرّ مراراً من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر.


الصفحة التالية
Icon