وقوله سبحانه وتعالى :﴿ والله هُوَ السميع العليم ﴾ في موضع الحال من فاعل ﴿ أَتَعْبُدُونَ ﴾ مقرر للتوبيخ متضمن للوعيد، والواو هو الواو، أي أتعبدون غير الله تعالى وتشركون به سبحانه ما لا يقدر على شيء ولا تخشونه، والحال أنه سبحانه وتعالى المختص بالإحاطة التامة بجميع المسموعات والمعلومات التي من جملتها ما أنتم عليه من الأقوال الباطلة والعقائد الزائغة، وقد يقال : المعنى أتعبدون العاجز والله هو الذي يصح أن يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم، ولن يكون كذلك إلا وهو حي قادر على كل شيء، ومنه الضر والنفع والمجازاة على الأقوال والعقائد إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وفرق بين الوجهين بأن ﴿ مَا ﴾ على هذا الوجه للتحقير، والوصفية على هذا الوجه على معنى أن العدول إلى المبهم استحقار إلا أن ﴿ مَا ﴾ للوصف والحال مقررة لذلك، وعلى الأول للتحقير المجرد، والحال كما علمت فافهم. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
لمّا كان الكلام السابق جارياً على طريقة خطاب غير المعيّن كانت جملة ﴿ قل أتعبدون من دون الله ﴾ الخ مستأنفة، أمر الرّسول بأن يبلّغهم ما عنوا به.
والظاهر أنّ ﴿ أتعبدون ﴾ خطاب لجميع من يعبد شيئاً من دون الله من المشركين والنّصارى.
والاستفهام للتّوبيخ والتّغليط مجازاً.
ومعنى ﴿ من دون الله ﴾ غير الله.
فمِن للتّوكيد، و( دون ) اسم للمغاير، فهو مرادف لسوى، أي أتعبدون معبوداً هو غير الله، أي أتشركون مع الله غيره في الإلهيّة.
وليس المعنى أتعبدون معبوداً وتتركون عبادة الله.


الصفحة التالية
Icon