الثاني : قال الرازي أيضاً : إنه تعالى وصفهم بثلاث درجات في الضلال : فبيّن أنهم كانوا ضالين من قبل، ثم ذكر أنهم كانوا مضلّين لغيرهم، ثم ذكر أنهم استمرّوا على تلك الحالة حتى إنهم الآن ضالون كما كانوا. ولا نجد حالة أقرب إلى البعد من الله والقرب من عقاب الله تعالى، من هذه الحالة. نعوذ بالله منها. ويحتمل أن يكون المراد أنهم ضلوا وأضلوا ثم ضلوا بسبب اعتقادهم، في ذلك الإضلال، أنه إرشاد إلى الحقّ. ويحتمل أن يكون المراد بالضلال عن الدين، وبالضلال عن طريق الجنة. انتهى.
وهذه الوجوه - مع ما أسلفناه عن المهايميّ - كلّها مما يصح إرادتها من الآية لتصادقها جميعاً عليهم.
الثالث : دلت الآية على أن ما لهؤلاء الكفرة من الأباطيل - مع مخالفتها للعقول وزاحمتها للأصول - لا مستند ولا معول لهم فيها غير التقليد لأسلافهم الضالين، الذين أحدثوا القول بالتثليث بعد نحو ثلاثمائة سنة من رفع المسيح عليه السلام. وقرروه في تعاليمهم بعد جدال واضطراب. وتمّسكوا في ذلك، بظواهر الألفاظ التي لا يحيطون بها علماً، مما لا أصل له في شرع الإنجيل، ولا مأخوذ من قول المسيح ولا من أقوال حواريّيه. وهو مع ذلك مضطرب متناقض متهافت، يكذب بعضه بعضاً، ويعارضه ويناقضه، كما تبيّن من الكتب المصنفة في الردّ عليهم.
الرابع : جاء في " تنوير المقباس " :
إن المراد بـ ( أهل الكتاب ) هنا : نصارى نجران الذين قدموا على رسول الله ﷺ. وبقوله :﴿ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ ﴾ العاقب والسيد. والأول - كما قال ابن إسحاق - أمير القوم وذا رأيهم. والثاني صاحب رحلهم ومجتمعهم.
والأظهر أن المعني بـ ( أهل الكتاب ) عموم النصارى. والمذكورون يدخلون فيه دخولاً أولياً.