" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قوله تعالى :" غَيْرَ الحَقِّ " : فيه خمسة أوجه :
أحدها : أنه نعت لمصدر محذوف، أي : لا تَغْلُوا في دينكُمْ غُلُوًّا غَيْرَ الحقِّ، أي : غُلُوًّا باطلاً، ولم يذكر الزمخشريُّ غيره.
الثاني : أنه منصوبٌ على الحال من ضمير الفاعلِ في " تَغْلُوا "، أي : لا تَغْلُوا مُجاوِزينَ الحَقَّ، ذكره أبو البقاء.
الثالث : أنه حالٌ من " دينكُمْ "، أي : لا تغلُوا فيه وهو باطلٌ، بل اغْلُوا فيه وهُوَ حَقٌّ ؛ ويؤيِّد هذا ما قاله الزمخشريُّ ؛ فإنه قال :" لأنَّ الغُلُوَّ في الدين غُلُوَّانِ : حقٌّ ؛ وهو أنْ يُفْحَصَ عن حقائقه، ويُفَتَّشَ عن أباعدِ معانيه، ويُجْتَهَد في تحصيله حُجَجه، وغُلُوٌّ باطلٌ ؛ وهو أن يتجاوز الحقَّ ويتخطَّاه بالإعْرَاضِ عن الأدلَّة ".
الرابع : أنه منصوبٌ على الاستثناء المتَّصل.
الخامس : على الاستثناء المنقطع، ذكر هذين الوجهين أبو حيان عن غيره، واستبعدَهُما ؛ فإنه قال :" وأبعد من ذهب إلى أنها استثناءٌ متَّصِلٌ، ومن ذهب إلى أنها استثناءٌ منقطعٌ، ويقدِّره بـ " لَكِنَّ الحقَّ فاتَّبِعُوهُ " قال شهاب الدين : والمستثنى منه يَعْسُرُ تعيينُه، والذي يظهر فيه : أنه قوله تعالى :" في دينكُمْ " ؛ كأنه قيل : لا تَغْلُوا في دينكُم إلا الدِّينَ الحقَّ، فإنه يجوز لكم الغلوُّ فيه، ومعنى الغلُوِّ فيه ما تقدَّم من تقرير الزمخشريِّ له.
وذكر الواحديُّ فيه الحالَ والاستثناء، فقال : وانتصابُ " غَيْرَ الحَقِّ " من وجهين :
أحدهما : الحالُ والقَطْعُ من الدِّينِ ؛ كأنه قيل : لا تَغْلُوا في دينِكُمْ مخالِفيَن للحَقِّ ؛ لانهم خالَفُوا الحقَّ في دينهمْ، ثم غلوْا فيه بالإصْرارِ عليه.