وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم ﴾ الآية الضمير في ﴿ سمعوا ﴾ ظاهره العموم ومعناه الخصوص فيمن آمن من هؤلاء القادمين من أرض الحبشة، إذ هم عرفوا الحق وقالوا آمنا، وليس كل النصارى يفعل ذلك، وصدر الآية في قرب المودة عام فيها ولا يتوجه أن يكون صدر الآية خاصاً فيمن آمن لأن من فهو من الذين آمنوا وليس يقال فيه قالوا إنا نصارى ولا يقال في مؤمنين :﴿ ذلك بأن منهم قسيسين ﴾ ولا يقال إنهم أقرب مودة، بل من آمن فهو أهل مودة محضة، فإنما وقع التخصيص من قوله تعالى :﴿ وإذا سمعوا ﴾ وجاء الضمير عاماً إذ قد تحمد الجامعة بفعل واحد منها، وفي هذا استدعاء للنصارى ولطف من الله تعالى بهم، ولقد يوجد فيض الدموع غالباً فيهم وإن لم يؤمنوا، وروي أن وفداً من نجران قدم على أبي بكر الصديق في شيء من أمورهم فأمر من يقرأ القرآن بحضرتهم فبكوا بكاء شديداً فقال أبو بكر : هكذا كنا ولكن قست القلوب، وروي أن راهباً من رهبان ديارات الشام نظر إلى أصحاب النبي ﷺ ورأى عبادتهم وجدهم في قتال عدوهم فعجب من حالهم، وبكى، وقال : ما كان الذين نشروا بالمناشير على دين عيسى بأصبر من هؤلاء ولا أجدّ في دينهم.
قال القاضي أبو محمد : فالقوم الذين وصفوا بأنهم عرفوا الحق هم الذين بعثهم النجاشي ليروا النبي ﷺ ويسمعوا ما عنده، فلما رأوه قرأ عليهم القرآن وهو المراد بقوله تعالى :﴿ ما أنزل إلى الرسول ﴾ فاضت أعينهم بالدمع من خشية الله ورقت القلوب. والرؤية رؤية العين، و﴿ تفيض ﴾ حال من الأعين، و﴿ يقولون ﴾ حال أيضاً و﴿ آمنا ﴾ معناه صدقنا أن هذا رسولك والمسموع كتابك والشاهدون محمد وأمته، قاله ابن عباس وابن جريج وغيرهما، وقال الطبري : لو قال قائل معنى ذلك مع الشاهدين بتوحيدك من جميع العالم من تقدم ومن تأخر لكان ذلك صواباً.


الصفحة التالية
Icon