وقال أبو السعود :
﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرسول ﴾ عطف على لا يستكبرون أي ذلك بسبب أنهم لا يستكبرون، وأن أعينَهم تفيض من الدمع عند سماع القرآن، وهو بيانٌ لرقة قلوبهم وشدة خشيتهم، ومسارعتِهم إلى قبول الحق وعدم إبائهم إياه ﴿ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع ﴾ أي تمتلىء بالدمع، فاستُعير له الفيضُ الذي هو الانصبابُ عن امتلاءٍ مبالغةً، أو جُعلت أعينُهم من فرط البكاء كأنها تفيض بأنفسها ﴿ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق ﴾ ( من ) الأولى لابتداء الغاية، والثانية لتبيين الموصول، أي ابتدأ الفيض ونشأ من معرفة الحق وحصل من أجله وبسببه، ويحتمل أن تكون الثانية تبعيضية، لأن ما عرفوه بعضُ الحق، وحيث أبكاهم ذلك فما ظنك بهم لو عرفوا كله، وقرءوا القرآن، وأحاطوا بالسنة؟ وقرىء ( تُرى أعينُهم ) على صيغة المبني للمفعول ﴿ يَقُولُونَ ﴾ استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من حكاية حالهم عند سماع القرآن كأنه قيل : ماذا يقولون؟ فقيل : يقولون :﴿ رَبَّنَا ءامَنَّا ﴾ بهذا أو بمن أنزل هذا عليه أو بهما، وقيل : حال من الضمير في عرفوا أو من الضمير المجرور في أعينهم، لما أن المضاف جزؤه، كما في قوله تعالى :﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا ﴾ ﴿ فاكتبنا مَعَ الشاهدين ﴾ أي الذين شهدوا بأنه حق أو بنبوته، أو مع أمته الذين هم شهداءُ على الأمم يوم القيامة، وإنما قالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon