وقال الآلوسى :
﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرسول تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع ﴾ عطف على ﴿ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [ المائدة : ٨٢ ] و﴿ إِذَا ﴾ في موضع نصب بـ ( ترى )، وجملة ﴿ تَفِيضُ ﴾ في موضع الحال والرؤية بصرية أي ذلك بسبب أنهم لا يستكبرون وأنهم إذا سمعوا القرآن رأيت أعينهم فائضة من الدمع، وجوز السمين وغيره الاستئناف، وأياً ما كان فهو بيان لرقة قلوبهم وشدة خشيتهم ومسارعتهم إلى قبول الحق وعدم إبائهم إياه.
والظاهر عود ضمير ﴿ سَمِعُواْ ﴾ لـ ﴿ الذين قَالُواْ إِنَّا نصارى ﴾ [ المائدة : ٨٢ ].
وقد تقدم أن الظاهر فيه العموم، وقيل : يتعين هنا إرادة البعض، وهو من جاء من الحبشة إلى النبي ﷺ لأن كل النصارى ليسوا كذلك، "والفيض انصباب عن امتلاء، ووضع هنا موضع الامتلاء بإقامة المسبب مقام السبب أي تمتلىء من الدمع" أو قصد المبالغة فجعلت أعينهم بأنفسها تفيض من أجل الدمع قاله في "الكشاف".
وأراد على مافي "الكشف" أن الدمع على الأول : هو الماء المخصوص وعلى الثاني : الحدث، وهو على الأول : مبدأ مادي وعلى الثاني : سببي.
وفي "الانتصاف" "أن هذه العبارة أبلغ العبارات وهي ثلاث مراتب فالأولى : فاض دمع عينه وهذا هو الأصل والثانية : محولة من هذه وهي فاضت عينه دمعاً فإنه قد حول فيها الفعل إلى العين مجازاً ومبالغة ثم نبه على الأصل والحقيقة بنصب ما كان فاعلاً على التمييز، والثالثة : ما في النظم الكريم وفيها التحويل المذكور إلا أنها أبلغ من الثانية باراح التنبيه على الأصل وعدم نصب التمييز وإبرازه في صورة التعليل"، وجوز الزمخشري أن تكون من هذه هي الداخلة على التمييز وهو مردود وإن كان الكوفيون ذهبوا إلى جواز تعريف التمييز وأنه لا يشترط تنكيره كما هو مذهب الجمهور لأن التمييز المنقول عن الفاعل يمتنع دخول من عليه وإن كانت مقدرة معه فلا يجوز تفقأ زيد من شحم فليفهم.


الصفحة التالية
Icon