ولَعلّ اللّهَ أعلَم رسوله بفريق من النصارى آمنوا بمحمد في قلوبهم ولم يتمكّنوا من لقائه ولا من إظهار إيمانهم ولم يبلغهم من الشريعة إلاّ شيء قليل تمسّكوا به ولم يعلموا اشتراط إظهار الإيمان المسمّى بالإسلام، وهؤلاء يشبه حالهم حالَ من لم تبلغه الدعوة، لأنّ بلوغ الدعوة متفاوت المراتب.
ولعلّ هؤلاء كان منهم من هو بأرض الحبشة أو باليمن.
ولا شكّ أنّ النجاشي ( أصْحَمة ) منهم.
وقد كان بهذه الحالة أخبر عنه بذلك النّبيء.
والمقصود أنّ الأمّة التي فيها أمثال هؤلاء تكون قريبة من مودّة المسلمين.
والرسول هو محمّد كما هو غالب عليه في إطلاقه في القرآن.
وما أنزل إليه هو القرآن.
والخطاب في قوله تَرى أعينهم } للنبيء ﷺ إن كان قد رأى منهم مَن هذه صفته، أو هو خطاب لكلّ من يصحّ أن يَرى.
فهو خطاب لغير معيّن ليعمّ كلّ من يخاطب.
وقوله :﴿ تفيض من الدمع ﴾ معناه يفيضُ منها الدمع لأنّ حقيقة الفيض أن يسند إلى المائع المتجاوز حَاوِيه فيسيل خارجاً عنه.
يقال : فاض الماء، إذا تجاوز ظرفه.
وفاض الدمع إذا تجاوز ما يغرورق بالعين.
وقد يسند الفَيْض إلى الظرف على طريقة المجاز العقلي، فيقال : فاض الوادي، أي فاض ماؤُه، كما يقال : جَرَى الوادي، أي جرى ماؤه.
وفي الحديث :" ورَجُل ذكر الله خَالياً فَفَاضَتْ عيناه " وقد يقرنون هذا الإسناد بتمييز يكون قرينة للإسنادِ المجازي فيقولون : فاضت عينه دمعاً، بتحويل الإسناد المسمّى تمييزَ النسبة، أي قرينة النسبة المجازية.
فأمّا ما في هذه الآية فإجراؤه على قول نحاة البصرة يمنع أن يكون ( مِنْ ) الداخلة على الدمع هي البَيانية التي يجرّ بها اسم التمييز، لأنّ ذلك عندهم ممتنع في تمييز النسبة، فتكون الآية منسوجة على منوال القلب للمبالغة، قُلِب قولُ الناس المتعارف : فاضَ الدمع من عيننِ فلان، فقيل :﴿ أعينَهم تفيض من الدمع ﴾، فحرف ( مِن ) حرف ابتداء.