إذن فهناك إدراك يدرك. وهناك وجدان يجد، وهناك نزوع ينزع. مثال ذلك إدراك وردة جميلة المنظر واللون في بستان هذا الإدراك قد يصيب من القلب عشقاً وحباً ؛ أي وجداناً، وأنت حر في أن تدرك ما شئت، وأن تجد ما شئت، لكن ليس لك أن تمد يدك لتقطف الوردة ؛ لأن الشرع يحرم ذلك. وحارس البستان أيضاً يمنعك من ذلك. هذا على الرغم من أن أحداً لا يمنعك من أن تنظر إلى الوردة وتستمتع بجمالها. فالإدراك - إذن - مباح، والوجدان أمر مباح.
أما النزوع فهذا هو الأمر الذي تتدخل فيه الشريعة، ولنا أن نكرر أن الإدراك مباح والوجدان مباح إلا في إدراك جمال الأنوثة، فالشرع يتدخل من البداية. فأنت قد تدرك جمال المرأة فتجد في نفسك حباً وميلاً، فإذا نوعت فكيف يمكنك أن تضبط نفسك؟ فأنت بعد الإدراك والوجدان إما أن تنزع وإما أن تكبت. وإن نزعت انتهكت أعراض الناس، وإن كبت، أصابك القهر والألم ؛ لذلك يتدخل الشرع في هذه المسألة من بدايتها فيمنعك تحريماً من أن تدرك، وذلك بأمر واضح وهو غض البصر ؛ لأن المسألة الجنسية من الصعب أن تفصلها عن بعضها، فالإدراك يمكن فصله عن الوجدان، والنزوع يمكن فصله عن الوجدان والإدراك في أمر الوردة.
أما في المسألة الجنسية فهي سعار.. إما أن يقابله الإنسان بأن يعف وإما أن يلغ. فإن عف الإنسان فهو يكبت ويتوتر، وإن ولغ الإنسان في أعراض الناس فهذا أمر يسبب هتك أعراض الناس. ولذلك يمنع الشرع من البداية مسألة الإدراك.