ولما كان مطلق الحلف الذي منه اللغو يطلق عليه عقد لليمين، أعلم أن المؤاخذة إنما هي بتعمد القلب، وهو المراد بالكسب في الآية الأخرى، فعبر بالتفعيل في قراءة الجماعة، والمفاعلة على قراءة ابن عامر تنبيهاً على أن ذلك هو المراد من قراءة حمزة والكسائي بالتخفيف فقال ﴿بما عقدتم الأيمان﴾ أي بسبب توثيقها وتوكيدها وإحكامها بالجمع بين اللسان والقلب، سواء كان على أدنى الوجوه كما تشير إليه قراءة التخفيف، أو على أعلاها كما تشير إليه قراءة التشديد، فلا يحل لكم الحنث فيها إلا بالكفارة بخلاف اللغو فإنه باللسان فقط، فلا عقد فيه فضلاً عن تعقيد، و" ما " مصدرية.
ولما أثبت المؤاخذة سبب عنها قوله :﴿فكفارته﴾ أي الأمر الذي يستر النكث والحنث عن هذا التعقيد، ويزيل أثره بحيث تصيرون كأنكم ما حلفتم ﴿إطعام عشرة مساكين﴾ أي أحرار مساكين، لكل مسكين ربع صاع، وهو مدمن طعام، وهو رطل وثلث ﴿من أوسط ما﴾ كان عادة لكم أنكم ﴿تطعمون أهليكم﴾ أي من أعدله في الجودة والقدر كمية وكيفية، فهو مد جيد من غالب القوت، سواء كان من الحنطة أو من التمر أو غيرهما.
ولما بدأ بأقل ما يكفي تخفيفاً ورحمة، عطف على الإطعام ترقياً قوله :﴿أو كسوتهم﴾ أي بثوب يغطي العورة من قميص أو إزار أو غيرهما مما يطلق عليه اسم الكسوة ﴿أو تحرير﴾ أي إعتاق ﴿رقبة﴾ أي مؤمنة سليمة عما يخل بالعمل - كما تقدم في كفارة القتل - حملاً لمطلق الكفارات على ذلك المقيد، ولأن النبي ﷺ ما استأذنه أحد في إعتاق رقبة في كفارة إلا اختبر إيمانها، هذا ما على المكلف على سبيل التخيير من غير تعيين.


الصفحة التالية
Icon