وقوموا وناموا، فإني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وآكل اللحم والدسم، ومن رغب عن سنتي فليس مني ؛ ثم جمع الناس فخطبهم فقال : ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا! أما! إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهباناً، فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ولا اتخاذ الصوامع، وإن سياحة أمتي الصوم، ورهبانيتهم الجهاد، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شددوا فشدد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع "، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقالوا : يا رسول الله! فكيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ وكانوا حلفوا على ما عليه اتفقوا، فأنزل الله عز وجل قوله تعالى ﴿لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم﴾ [ المائدة : ٨٩، والبقرة : ٢٢٥ ]، ولا تعارض بين الخبرين لإمكان الجمع بأن يكون الرجل لما سمع تذكير النبي ﷺ سأل، ولو لم يجمع صح أن يكون كل منهما سبباً، فالشيء الواحد قد يكون له أسباب جمة، بعضها أقرب من بعض، فمن الأحاديث الواردة في ذلك ما روى البغوي بسنده من طريق ابن المبارك في كتاب الزهد عن سعد بن مسعود " أن عثمان بن مظعون رضي الله عنه أتى النبي ﷺ فقال : ائذن لنا في الاختصاء، فقال رسول الله ﷺ : ليس منا من خصي ولا اختصى، إن خصاء أمتي الصيام، فقال : يا رسول الله! ائذن لنا في السياحة، فقال : إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله.