ومرجع هذا الاختلاف النظر في شمول الآية لحكم ما يصطاده الحلال من صيد الحرم وعدم شمولها بحيث لا يحتاج في إثبات حكمه إلى دليل آخر أو يحتاج.
قال ابن العربي في "الأحكام" :"إنّ قوله ﴿ ليبلونّكم ﴾ الذي يقتضي أنّ التكليف يتحقّق في المُحِلّ بما شرط له من أمور الصيد وما شرط له من كيفية الاصطياد.
والتكليف كلّه ابتلاء وإن تفاضل في القلّة والكثرة وتبايَن في الضعف والشدّة".
يريد أنّ قوله :﴿ ليبلونّكم الله بشيء من الصيد ﴾ لا يراد به الإصابة ببلوى، أي مصيبة قتل الصيد المحرّم بل يراد ليكلفنّكم الله ببعض أحوال الصيد.
وهذا ينظر إلى أنّ قوله تعالى :﴿ وأنتم حرم ﴾ [ المائدة : ٩٥ ] شامل لحالة الإحراممِ والحلوللِ في الحرم.
وقوله :﴿ ليبلونّكم الله بشيء من الصيد ﴾ هو ابتلاء تكليف ونهي، كما دلّ عليه تعلّقه بأمر ممّا يفعل، فهو ليس كالابتلاء في قوله :﴿ ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ﴾ [ البقرة : ١٥٥ ] وإنّما أخبرهم بهذا على وجه التحذير.
فالخبر مستعمل في معناه ولازم معناه، وهو التحذير.
ويتعيّن أن يكون هذا الخطاب وُجّه إليهم في حين تردّدهم بين إمساك الصيد وأكله، وبين مراعاة حرمة الإحرام، إذ كانوا مُحرمين بعمرة في الحديبية وقد تردّدوا فيما يفعلون، أي أنّ ما كان عليه الناس من حِرمة إصابة الصيد للمُحْرِم معتدّ به في الإسلام أو غير معتدّ به.
فالابتلاء مستقبل لأنّه لا يتحقّق معنى الابتلاء إلاّ من بعد النهي والتحذير.
ووجود نون التوكيد يعيّن المضارع للاستقبال، فالمستقبل هو الابتلاء.
وأمّا الصيد ونوال الأيدي والرماح فهو حَاضر.
والصيد : المصيد، لأنّ قوله من الصيد وقع بياناً لقوله ﴿ بشيء ﴾. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon