وأما الميسر ففيه بإزاء التوسعة على المحتاجين الأجحاف بأرباب الأموال، لأن من صار مغلوباً في القمار مرة دعاه ذلك إلى اللجاج فيه عن رجاء أنه ربما صار غالباً فيه، وقد يتفق أن لا يحصل له ذلك إلى أن لا يبقى له شيء من المال، وإلى أن يقامر على لحيته وأهله وولده، ولا شك أنه بعد ذلك يبقى فقيراً مسكيناً ويصير من أعدى الأعداء لأولئك الذين كانوا غالبين له فظهر من هذا الوجه أن الخمر والميسر سببان عظيمان في إثارة العداوة والبغضاء بين الناس، ولا شك أن شدة العداوة والبغضاء تفضي إلى أحوال مذمومة من الهرج والمرج والفتن، وكل ذلك مضاد لمصالح العالم.
فإن قيل : لم جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام ثم أفردهما في آخر الآية.
قلنا : لأن هذه الآية خطاب مع المؤمنين بدليل أنه تعالى قال :﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر﴾ [ المائدة : ٩٠ ] والمقصود نهيهم عن الخمر والميسر وإظهار أن هذه الأربعة متقاربة في القبح والمفسدة، فلما كان المقصود من هذه الآية النهي عن الخمر والميسر وإنما ضم الأنصاب والأزلام إلى الخمر والميسر تأكيداً لقبح الخمر والميسر، لا جرم أفردهما في آخر الآية بالذكر.
أما النوع الثاني : من المفاسد الموجودة في الخمر والميسر : المفاسد المتعلقة بالدين، وهو قوله تعالى :﴿وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة﴾ فنقول : أما أن شرب الخمر يمنع عن ذكر الله فظاهر، لأن شرب الخمور يورث الطرب واللذة الجسمانية، والنفس إذا استغرقت في اللذات الجسمانية غفلت عن ذكر الله تعالى، وأما أن الميسر مانع عن ذكر الله وعن الصلاة فكذلك، لأنه إن كان غالباً صار استغراقه في لذة الغلبة مانعاً من أن يخطر بباله شيء سواه، ولا شك أن هذه الحالة مما تصد عن ذكر الله وعن الصلاة.