فإن قيل : الآية صريحة في أن علة تحريم الخمر هي هذه المعاني، ثم إن هذه المعاني كانت حاصلة قبل تحريم الخمر مع أن التحريم ما كان حاصلاً وهذا يقدح في صحة هذا التعليل : قلنا : هذا هو أحد الدلائل على أن تخلف الحكم عن العلة المنصوصة لا يقدح في كونها علة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٦٧ ـ ٦٨﴾
وقال القرطبى :
﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء ﴾ الآية.
فكل لهوٍ دعا قليله إلى كثير، وأوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه، وصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة فهو كشرب الخمر، وأوجب أن يكون حراماً مثله.
فإن قيل : إنّ شرب الخمر يورث السكر فلا يقدر معه على الصلاة وليس في اللعب بالنَّرد والشِّطْرَنج هذا المعنى ؛ قيل له : قد جمع الله تعالى بين الخمر والميسر في التحريم، ووصفهما جميعاً بأنهما يوقعان العداوة والبغضاء بين الناس، ويصدّان عن ذكر الله وعن الصلاة ؛ ومعلوم أن الخمر إن أسكرت فالميسر لا يسكر، ثم لم يكن عند الله افتراقهما في ذلك يمنع من التسوية بينهما في التحريم لأجل ما اشتركا فيه من المعاني.
وأيضاً فإن قليل الخمر لا يسكر كما أن اللعب بالنَّرد والشِّطْرَنج لا يسكر ثم كان حراماً مثل الكثير، فلا ينكر أن يكون اللعب بالنَّرد والشِّطْرَنج حراماً مثل الخمر وإن كان لا يسكر.
وأيضاً فإن ابتداء اللعب يورث الغَفْلة، فتقوم تلك الغَفْلة المستولية على القلب مكان السكر ؛ فإن كانت الخمر إنما حرّمت لأنها تسكر فتصدّ بالإسكار عن الصلاة، فليحرم اللعب بالنَّرد والشِّطْرَنْج لأنه يُغفِل ويُلهي فيصدّ بذلك عن الصلاة. والله أعلم.

فصل :



الصفحة التالية
Icon