وروى مصعب بن سعيد عن أبيه قال : صنع رجل من الأنصار طعاماً فدعانا فشربنا وذلك قبل أن تحرم زاد حتى انتشينا فتفاخرت الأنصار وقريش فقالت الأنصار نحن أفضل منكم فقال سعد بن أبي وقاص : المهاجرون خير منكم فأخذ رجل من الأنصار لحى جمل فضرب به أنف سعد ففزره فأتى سعد رسول الله ﷺ فأخبره فنزلت هذه الآية :﴿ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ﴾ إلى قوله ﴿ فهل أنتم منتهون ﴾ وقال ابن عباس : نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا حتى ثملوا وعبث بعضهم ببعض فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول فعل بي هذا فلان أخي وكانوا أخوة ليس في قلوبهم ضغائن فأنزل الله تعالى تحريم الخمر في هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ﴾ إلى قوله ﴿ فهل أنتم منتهون ﴾ وأما تفسير الآية فقوله تعالى إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر يعني إنما يزين لكم الشيطان شرب الخمر والقمار بالقداح وهو الميسر ويحسن ذلك لكم إرادة أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء بسبب شرب الخمر لأنها تزيل عقل شاربها فيتكلم بالفحش وربما أفضى ذلك إلى المقاتلة وذلك سبب إيقاع العداوة والبغضاء بين شاربيها.
وأما الميسر، فقال قتادة : كان الرجل في الجاهلية يقامر على أهله وماله فيقمر فيقعد حزيناً سليباً ينظر إلى ماله في يد غيره فيورثه ذلك العداوة والبغضاء فنهى الله عن ذلك وتقدم ما فيه والله أعلم بما يصلح خلقه فظهر بذلك أن الخمر والميسر سببان عظيمان في إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس وهذا فيما يتعلق بأمر الدنيا وفيهما مفاسد تتعلق بأمر الدين وهي قوله تعالى :﴿ ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ﴾ لأن شرب الخمر يشغل عن ذكر الله وعن فعل الصلاة وكذلك القمار يشغل صاحبه عن ذكر الله وعن الصلاة.