ونبههم على ما يريد العدو بهم من الشر بقوله تعالى :﴿إنما الخمر﴾ وهي كل ما أسكر سواء فيه قليله وكثيره، وأضاف إليها ما واخاها في الضرر ديناً ودنيا وفي كونه سبباً للخصام وكثرة اللغط المقتضي للحلف والإقسام تأكيداً لتحريم الخمر بالتنبيه على أن الكل من أفعال الجاهلية، فلا فرق بين شاربها والذابح على النصب والمعتمد على الأزلام فقال :﴿والميسر﴾ أي الذي تقدم ذكره في البقرة ﴿والأنصاب والأزلام﴾ المتقدم أيضاً ذكرُهما أول السورة، والزلم : القدح لا ريش له - قاله البخاري ؛ وحكمة ترتيبها هكذا أنه لما كانت الخمر غاية في الحمل على إتلاف المال، قرن بها ما يليها في ذلك وهو القمار، ولما كان الميسر مفسدة المال، قرن به مفسدة الدين وهي الأنصاب، ولما كان تعظيم الأنصاب شركاً جلياً إن عبدت، وخفياً إن ذبح عليها دون عبادة، قرن بها نوعاً من الشرك الخفي وهو الاستقسام بالأزلام : ثم أمر باجتناب الكل إشارة وعبارة على أتم وجه فقال :﴿رجس﴾ أي قذر أهل لأن يبعد عنه بكل اعتبار حتى عن ذكره سواء كان عيناً أو معنى، وسواء كانت الرجسية في الحس أو المعنى، ووحد الخبر للنص على الخمر والإعلام بأن أخبار الثلاثة حذفت وقدرت، لأنها أهل لأن يقال في كل واحد منها على حدتها كذلك ولا يكفي عنها خبر واحد على سبيل الجمع ؛ ثم زاد في التنفير عنها تأكيداً لرجسيتها بقوله :﴿من عمل الشيطان﴾ أي المحترق البعيد، ثم صرح بما اقتضاه السياق من الاجتناب فقال :﴿فاجتنبوه﴾ أي تعمدوا أن تكونوا عنه في جانب آخر غير جانبه.