وأفرد لما تقدم من الحِكَم، ثم علل بما يفهم أنه لا فوز بشيء من المطالب مع مباشرتها فقال :﴿لعلكم تفلحون﴾ أي تظفرون بجميع مطالبكم، روى البخاري في التفسير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :" لقد حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء " وفي رواية :" نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب " وفي رواية عنه :" سمعت عمر على منبر النبي ﷺ يقول : أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة : من العنب - وفي رواية : من الزبيب - والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل " وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :" ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا، وإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلاناً وفلاناً إذ جاء رجل فقال : حرمت الخمر، قالوا : أهرق هذه القلال يا أنس! فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل " وفي رواية عنه :" حرمت علينا الخمر حين حرمت وما نجد خمر الأعناب إلا قليلاً، وعامة خمرنا البسر والتمر " قال الأصبهاني : وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٣٥ ـ ٥٣٦﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أن هذا هو النوع الثالث من الأحكام المذكورة في هذا الموضع، ووجه اتصاله بما قبله أنه تعالى قال فيما تقدم ﴿لاَ تُحَرّمُواْ طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ﴾ إلى قوله ﴿وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حلالا طَيّباً﴾ [ المائدة : ٨٧، ٨٨ ] ثم لما كان من جملة الأمور المستطابة الخمر والميسر لا جرم أنه تعالى بيّن أنهما غير داخلين في المحللات، بل في المحرمات.
واعلم أنا قد ذكرنا في سورة البقرة معنى الخمر والميسر وذكرنا معنى الأنصاب والأزلام في أول هذه السورة عند قوله ﴿وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام﴾ [ المائدة : ٣ ] فمن أراد الاستقصاء فعليه بهذه المواضع.