وأخرج عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية لنا نزلت قال رسول الله ﷺ :" إن الله سبحانه قد حرم الخمر فمن كان عنده شيء فلا يطعمه ولا تبيعوها " فلبث المسلمون زمانا يجدون ريحها من طرق المدينة مما أهراقوا منها.
وأخرج عن الربيع أنه قال لما نزلت آية البقرة قال رسول الله ﷺ :" إن ربكم يقدم في تحريم الخمر " ثم نزلت آية النساء فقال النبي ﷺ :" إن ربكم يقدم في تحريم الخمر " ثم نزلت آية بالمائدة فحرمت الخمر عند ذلك.
وقد تقدم في آية البقرة شيء من الكلام في هذا المقام فتذكر. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ فهل أنتم منتهون ﴾ الفاء تفريع عن قوله :﴿ إنّما يريد الشيطان ﴾ الآية، فإنّ ما ظهر من مفاسد الخمر والميسر كاف في انتهاء الناس عنهما فلم يبق حاجة لإعادة نهيهم عنهما، ولكن يستغنى عن ذلك باستفهامهم عن مبلغ أثر هذا البيان في نفوسهم ترفيعاً بهم إلى مقام الفَطن الخبير، ولو كان بعد هذا البيان كلّه نهاهم عن تعاطيها لكان قد أنزلهم منزلة الغبي، ففي هذا الاستفهام من بديع لطف الخطاب ما بلغ به حد الإعجاز.
ولذلك اختير الاستفهام بـ ﴿ هل ﴾ التي أصل معناها ( قد ).
وكثر وقوعها في حيّز همزة الاستفهام، فاستغنوا بـ ﴿ هل ﴾ عن ذكر الهمزة، فهي لاستفهاممٍ مضمَّن تحقيقَ الإسناد المستفهَم عنه وهو ﴿ أنتم منتهون ﴾، دون الهمزة إذ لم يقل : أتنتهون، بخلاف مقام قوله ﴿ وجَعَلنا بعضَكم لبعض فتنة أتصبرون ﴾ [ الفرقان : ٢٠ ].
وجعلت الجملة بعد ﴿ هل ﴾ اسمية لدلالتها على ثبات الخبر زيادة في تحقيق حصول المستفهم عنه، فالاستفهام هنا مستعمل في حقيقته، وأريد معها معناه الكنائي، وهو التحذير من انتفاء وقوع المستفهم عنه.
ولذلك روي أنّ عمر لمّا سمع الآية قال :"انتهينا انتهينا".


الصفحة التالية
Icon