إذن فقول الحق :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء ﴾ يشرح لنا أن إرادة الشيطان هي إرادة تزيين، لا إرادة قدرة على القهر أو الإقناع. وإذا سمعت كلمة " يوقع "، فافهم أن هناك شيئين الأصل فيهما الالتحام، وهناك من يريد أن يجعل بينهما يفصل هذا الالتحام. ولذلك يقال :" فلان مشى بالوقعية " أي أنه أراد أن يصنع فجوة وشرخاً بين اثنين الأصل فيهما الالتحام.
وكلمة " بينكم " تفيد الانفصال. وهذا الانفصال هو الذي توضع فيه الوقيعة. لماذا؟ لأن المؤمنين إخوة، ولأن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، والشيطان يسعى بالخمر والميسر بأن يمشي بالوقيعة بين المؤمنين. ونجد مجالس الخمر فيها هذا ؛ فالشاربون معاً كثيراً ما تقوم بينهم المعارك ويدور بينهم السباب. ولاعبو الميسر يأخذ بعضهم مال بعض، وهكذا يتحولون من وحدة كالبنيان إلى فرقة وتحدث بينهما العداوة والبغضاء.
وما الفرق بين العداوة والبغضاء؟ العداوة هي انفصال متلاحمين حدثت بينهما عداوة وبغضاء. والبغضاء هي انفعال القلب بشيء مكروه.
كأن البغضاء توجد في الصدور بعد حصول العدوان، فكأن العداوة تكون هي المنطقة الوسط التي باعدت بين هذين الشخصين بعد أن استسلما لنزغ الشيطان. وهذان الاثنان كان يجمعهما من قبل الصفاء والمودة والحب والأخوة الإيمانية.