ولما كان كأنه قيل : بما تعرف المماثلة؟ قال :﴿يحكم به﴾ أي بالجزاء ؛ ولما كانت وجوه المشابهة بين الصيد وبين النعم كثيرة، احتاج ذلك إلى زيادة التأمل فقال :﴿ذوا عدل منكم﴾ أي المسلمين، وعن الشافعي أن الذي له مثل ضربان : ما حكمت فيه الصحابة، وما لم تحكم فيه، فما حكمت فيه لا يعدل إلى غيره لأنه قد حكم به عدلان فدخل تحت الآية، وهم أولى من غيرهم لأنهم شاهدوا التنزيل وحضروا التأويل ؛ وما لم يحكموا به يرجع فيه إلى اجتهاد عدلين، فينظر إلى الأجناس الثلاثة من الأنعام، فكل ما كان أقرب شبهاً به يوجبانه ؛ فإن كان القتل خطأ جاز أن يكون الفاعل أحد الحكمين، وإن كان عمداً فلا، لأنه يفسق به.
ولما كان هذا المثل يساق إلى مكة المشرفة على وجه الإكرام والنسك رفقاً بمساكينها، قال مبيناً لحاله من الضمير في " به " :﴿هدياً﴾ ولما كان الهدي هو ما تقدم تفسيره، صرح به فقال :﴿بالغ الكعبة﴾ أي الحرم المنسوب إليها، وإنما صرح بها زيادة في التعظيم وإعلاماً بأنها هي المقصودة بالذات بالزيارة والعمارة لقيام ما يأتي ذكره، تذبح الهدي بمكة المشرفة ويتصدق به على مساكين الحرم، والإضافة لفظية لأن الوصف بشبه " يبلغ " فلذا وصف بها النكرة.
ولما كان سبحانه رحيماً بهذه الأمة، خيرها بين ذلك وبين ما بعد فقال :﴿أو﴾ عليه ﴿كفارة﴾ هي ﴿طعام مساكين﴾ في الحرم بمقدار قيمة الهدي، لكل مسكين مد ﴿أو عدل ذلك﴾ أي قيمة المثل ﴿صياماً﴾ في أيّ موضع تيسر له، عن كل مد يوم، فأو للتخيير لأنه الأصل فيها، والقول بأنها للترتيب يحتاج إلى دليل.


الصفحة التالية