ولما كان الإنسان قاصراً عن علم ما غاب، فكان زجره عن الكشف عما يسوءه زجراً له عن كل ما يتوقع أن يسوءه، قال تعالى :﴿إن تبد﴾ أي تظهر ﴿لكم﴾ بإظهار عالم الغيب لها ﴿تسؤكم﴾ ولما كان ربما وقع في وهم متعنت أن هذا الزجر إنما هو لقصد راحة المسؤول عن السؤال خوفاً من عواقبه - قال :﴿وإن تسئلوا عنها﴾ أي تلك الأشياء التي تتوقع مساءتكم عند إبدائها ﴿حين ينزل القرآن﴾ أي والملك حاضر ﴿تبد لكم﴾ ولما كان ربما قال : فما له لا يبديها سئل عنها أم لا؟ قال :﴿عفا الله﴾ بما له من الغنى المطلق والعظمة الباهرة وجميع صفات الكمال ﴿عنها﴾ أي سترها فلم يبدها لكم رحمة منه لكم وإراحة عما يسوءكم ويثقل عليكم في دين أو دنيا ؛ ولما كانت صفاته سبحانه أزلية، لا تتوقف لواحدة منها على غيرها، وضع الظاهر موضع المضمر لئلا يختص بما قبله فقال نادباً من وقع منه ذنب إلى التوبة :﴿والله﴾ أي الذي له مع صفة الكمال صفة الإكرام ﴿غفور﴾ أزلاً وأبداً يمحو الزلات عيناً وأثراً ويعقبها بالإكرام على عادة الحكماء ﴿حليم﴾ أي لا يعجل على العاصي بالعقوبة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٤٧ ـ ٥٥٠﴾
وقال الفخر :
في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه : الأول : أنه تعالى لما قال :﴿مَّا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ﴾ [ المائدة : ٩٩ ] صار التقدير كأنه قال، ما بلغه الرسول إليكم فخذوه، وكونوا منقادين له، وما لم يبلغه الرسول إليك فلا تسألوا عنه، ولا تخوضوا فيه، فإنكم إن خضتم فيما لا تكليف فيه عليكم فربما جاءكم بسبب ذلك الخوض الفاسد من التكاليف ما يثقل عليكم ويشق عليكم.


الصفحة التالية
Icon