ومن فوائد ابن عاشور فى الآية
قال رحمه الله :
﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾
استئناف بياني لأنّه يحصل به جواب عمّا يخطر في نفس السامع من البحث عن حكمة تحريم الصيد في الحرم وفي حال الإحرام، بأنّ ذلك من تعظيم شأن الكعبة التي حُرّمت أرضُ الحرم لأجل تعظيمها، وتذكيرٌ بنعمة الله على سكّانه بما جعل لهم من الأمن في علائقها وشعائرها.
والجعل يطلق بمعنى الإيجاد، فيتعدّى إلى مفعول واحد، كما في قوله تعالى :﴿ وجعل الظلمات والنور ﴾، في سورة الأنعام ( ١ )، ويطلق بمعنى التصيير فتعدّى إلى مفعولين، وكلا المعنيين صالح هنا.
والأظهر الأول فإنّ الله أوجد الكعبة، أي أمر خليله بإيجادها لتكون قياماً للناس.
فقوله : قياماً } منصوب على الحال، وهي حال مقدّرة، أي أوجدها مقدّراً أن تكون قياماً.
وإذا حمل ﴿ جعل ﴾ على معنى التصيير كان المعنى أنّها موجودة بيتَ عبادة فصيّرها الله قياماً للناس لطفاً بأهلها ونسلهم، فيكون ﴿ قياماً ﴾ مفعولاً ثانياً ل ﴿ جعل ﴾.
وأمّا قوله :﴿ البيت الحرام ﴾ يصحّ جعله مفعولاً.
والكعبة علم على البيت الذي بناه إبراهيم عليه السلام بمكة بأمر الله تعالى ليكون آية للتوحيد.
وقد تقدّم ذلك في تفسير قوله تعالى :﴿ إنّ أوّل بيتتٍ وضع للناس للذي ببكة ﴾ في سورة آل عمران ( ٩٦ ).
قالوا : إنّه علم مشتقّ من الكَعَب، وهو النتوء والبروز، وذلك محتمل.
ويحتمل أنّهم سمّوا كلّ بارز كعبة، تشبيهاً بالبيت الحرام، إذ كان أول بيت عندهم، وكانوا من قبله أهل خيام، فصار البيت مثلاً يمثّل به كلّ بارز.
وأمّا إطلاق الكعبة على ( القليس ) الذي بناه الحبشة في صنعاء، وسمّاه بعض العرب الكعبة اليمانية، وعلى قبة نجران التي أقامها نصارى نجران لعبادتهم التي عناها الأعشى في قوله:
فَكعْبَةُ نَجرَان حَتْم عليكِ...
حتى تُناخي بأبوابها