فالتعريف في ﴿ الشهر ﴾ للجنس كما تقدّم في قوله تعالى :﴿ ولا الشهر الحرام ﴾ [ المائدة : ٢ ].
ولا وجه لتخصيصه هنا ببعض تلك الأشهر.
وكذلك عطف ﴿ الهدي ﴾ و﴿ القلائد ﴾.
وكون الهدي قياماً للناس ظاهر، لأنّه ينتفع ببيعه للحاج أصحابُ المواشي من العرب، وينتفع بلحومه من الحاج فقراءُ العرب، فهو قيام لهم.
وكذلك القلائد فإنّهم ينتفعون بها ؛ فيتّخذون من ظفائرها مادّة عظيمة للغزل والنسج، فتلك قيام لفقرائهم، ووجه تخصيصها بالذكر هنا، وإن كانت هي من أقلّ آثار الحج، التنبيهُ على أنّ جميع علائق الكعبة فيها قيام للناس، حتى أدنى العلائق، وهو القلائد، فكيف بما عداها من جِلال البدْن ونعالها وكسوة الكعبة، ولأنّ القلائد أيضاً لا يخلو عنها هدي من الهدايا بخلاف الجِلال والنعال.
ونظير هذا قول أبي بكر "والله لو منعوني عِقالاً" إلخ...
وقوله :﴿ ذلك لتعلموا أنّ الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ﴾ الآية، مرتبط بالكلام الذي قبله بواسطة لام التعليل في قوله ﴿ لتعلموا ﴾.
وتوسّط اسم الإشارة بين الكلامين لزيادة الربط مع التنبيه على تعظيم المشار إليه، وهو الجعل المأخوذ من قوله :﴿ جعل الله الكعبة ﴾، فتوسّط اسم الإشارة هنا شبيه بتوسّط ضمير الفصل، فلذلك كان الكلام شبيهاً بالمستأنف وما هو بمستأنف، لأنّ ماصْدَقَ اسم الإشارة هو الكلام السابق، ومفاد لام التعليل الربط بالكلام السابق، فلم يكن في هذا الكلام شيء جديد غير التعليل، والتعليل اتّصال وليس باستئناف، لأنّ الاستئناف انفصال.
وليس في الكلام السابق ما يصلح لأن تتعلّق به لام التعليل إلاّ قوله ﴿ جعل ﴾.
وليست الإشارة إلاّ للجعل المأخوذ من قوله ﴿ جعل ﴾.
والمعنى : جعل الله الكعبة قياماً للناس لتعلموا أن الله يعلم الخ.
، أي أنّ من الحكمة التي جعل الكعبة قياماً للناس لأجلها أن تعلموا أنه يعلم.