مطَّرداً لدِلالة الثانية عليها دلالة واضحة، فإن الشيء إذا تحقق مع المعارِض فلأن يتحقق بدونه أولى، وعلى هذا السر يدور ما في لو وإن الوصليتين من المبالغة والتأكيد، وجواب لو محذوف في الجملتين لدلالة ما قبلهما عليه، وسيأتي تمام تحقيقه في مواقعَ عديدةٍ بإذن الله عز وجل.
﴿ فاتقوا الله يا أولى أُوْلِى الالباب ﴾ أي في تحرِّي الخبيث وإن كثر، وآثِروا عليه الطيِّب وإن قلّ، فإن مدارَ الاعتبار هو الجُودة والرداءةُ لا الكثرةُ والقِلة، فالمحمودُ القليلُ خيرٌ من المذموم الكثير، بل كلما كثر الخبيثُ كان أخبثَ ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ راجين أن تنالوا الفلاح. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾
وقال الآلوسى :
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ لاَّ يَسْتَوِى الخبيث والطيب ﴾ أي الردىء والجيد من كل شيء، فهو حكم عام في نفي المساواة عند الله تعالى بين النوعين والتحذير عن رديها وإن كان سبب النزول أن المسلمين أرادوا أن يوقعوا بحجاج اليمامة وكان معهم تجارة عظيمة فنهوا عن ذلك على ما مر ذكره، وقيل : نزلت في رجل سأل رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله إن الخمر كانت تجارتي وإني جمعت من بيعها مالاً فهل ينفعني من ذلك ( المال ) إن عملت فيه بطاعة الله تعالى؟ فقال النبي ﷺ : إن أنفقته في حج أو جهاد ( أو صدقة ) ( ١ ) لم يعدل جناح بعوضة إن الله تعالى لا يقبل إلا الطيب.
وعن الحسن واختاره الجبائي الخبيث الحرام والطيب الحلال، وأخرج ابن جرير وغيره عن السدي قال : الخبيث هم المشركون والطيب هم المؤمنون وتقديم الخبيث في الذكر للإشعار من أول الأمر بأن القصور الذي ينبىء عنه عدم الاستواء فيه لا في مقابله، وقد تقدمت الإشارة إلى تحقيقه.
﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكَ ﴾ أي وإن سرك أيها الناظر بعين الاعتبار ﴿ كَثْرَةُ الخبيث ﴾.