القول الثاني : وهو قول الحسن والزهري وجمهور الفقهاء : أن قوله ﴿ذوا عدو منكم﴾ أي من أقاربكم وقوله ﴿أو آخران من غيركم﴾ أي من الأجانب إن أنتم ضربتم في الأرض أي إن توقع الموت في السفر، ولم يكن معكم أحد من أقاربكم، فاستشهدوا أجنبيين على الوصية.
وجعل الأقارب أولاً لأنهم أعلم بأحوال الميت وهم به أشفق، وبورثته أرحم وأرأف، واحتج الذاهبون إلى القول الأول على صحة قولهم بوجوه.
الحجة الأولى : أنه تعالى قال في أول الآية ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ فعم بهذا الخطاب جميع المؤمنين، فلما قال بعده ﴿أو آخران من غيركم﴾ كان المراد أو آخران من جميع المؤمنين لا محالة.
الحجة الثانية : أنه قال تعالى :﴿أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض﴾ وهذ يدل على أن جواز الاستشهاد بهذين الآخرين مشروط بكون المستشهد في السفر، فلو كان هذان الشاهدان مسلمين لما كان جواز الاستشهاد بهما مشروطاً بالسفر، لأن استشهاد المسلم جائز في السفر والحضر.
الحجة الثالثة : الآية دالة على وجوب الحلف على هذين الشاهدين من بعد الصلاة، وأجمع المسلمون على أن الشاهد المسلم لا يجب عليه الحلف، فعلمنا أن هذين الشاهدين ليسا من المسلمين.
الحجة الرابعة : أن سبب نزول هذه الآية ما ذكرناه من شهادة النصرانيين على بديل وكان مسلماً.
الحجة الخامسة : ما روينا أن أبا موسى الأشعري قضى بشهادة اليهوديين بعد أن حلفهما، وما أنكر عليه أحد من الصحابة، فكان ذلك إجماعاً.


الصفحة التالية
Icon