و ﴿ عليكم ﴾ اسم فعل بمعنى الزَموا، وذلك أنّ أصله أن يقال : عليك أن تفعل كذا، فتكون جملة من خبر مقدّم ومبتدأ مؤخّر، وتكون ( على ) دالّة على استعلاء مجازي، كأنّهم جعلوا فعل كذا معتلياً على المخاطب ومتمكّناً منه تأكيداً لمعنى الوجوب فلمّا كثر في كلامهم قالوا : عليك كذا، فركّبوا الجملة من مجرور خبر واسم ذات مبتدأ بتقدير : عليك فعل كذا، لأنّ تلك الذات لا توصف بالعلوّ على المخاطب، أي التمكّن، فالكلام على تقدير.
وذلك كتعلّق التحريم والتحليل بالذوات في قوله :﴿ حرّمت عليكم الميتة ﴾ [ المائدة : ٣ ]، وقوله ﴿ أحلّت لكم بهيمة الأنعام ﴾ [ المائدة : ١ ]، ومن ذلك ما روي ﴿ عليكم الدعاء وعليّ الإجابة ﴾ ومنه قولهم : عليّ أليّة، وعليّ نذر.
ثم كثر الاستعمال فعاملوا ( على ) معاملة فعل الأمر فجعلوها بمعنى أمر المخاطب بالملازمة ونصبوا الاسم بعدها على المفعولية.
وشاع ذلك في كلامهم فسمّاها النحاة اسم فعل لأنّها جعلت كالاسم لمعنى أمر مخصوص، فكأنّك عمدت إلى فعل ( الزم ) فسميّته ( عَلَى ) وأبرزت مَا مَعه من ضمير فألصقته بـ ( عَلى ) في صورة الضمير الذي اعتيد أن يتّصل بها، وهو ضمير الجرّ فيقال : عليك وعليكما وعليكم.
ولذلك لا يسند إلى ضمائر الغيبة لأنّ الغائب لا يؤمر بصيغة الأمر بل يؤمر بواسطة لام الأمر.
فقوله تعالى :﴿ عليكم أنفسكم ﴾ هو بنصب ﴿ أنفسكم ﴾ أي الزموا أنفسكم، أي احرصوا على أنفسكم.
والمقام يبيّن المحروص عليه، وهو ملازمة الاهتداء بقرينة قوله :﴿ إذا اهتديتم ﴾، وهو يشعر بالإعراض عن الغير وقد بيّنه بقوله :﴿ لاَ يضرّكم من ضلّ ﴾.


الصفحة التالية
Icon