وقيل : إن ﴿ يخافوا ﴾ معطوف على مقدّر بعد الجملة الأولى، والتقدير : ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، ويخافوا عذاب الآخرة بسبب الكذب والخيانة، أو يخافوا الافتضاح بردّ اليمين، فأيّ الخوفين وقع حصل المقصود ﴿ واتقوا الله ﴾ في مخالفة أحكامه ﴿ والله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين ﴾ الخارجين عن طاعته بأيّ ذنب، ومنه الكذب في اليمين أو الشهادة. أ هـ ﴿فتح القدير حـ ٢ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
والمشار إليه في قوله :"ذلك أدنى" إلى المذكور من الحكم من قوله ﴿ تحبسوهما من بعد الصلاة ﴾ إلى قوله إنَّا إذن لمنَ الظالمين.
و﴿ أدنى ﴾ بمعنى أقرب، والقرب هنا مجاز في قرب العلم وهو الظنّ، أي أقوى إلى الظنّ بالصدق.
وضمير ﴿ يأتوا ﴾ عائد إلى "الشهداء" وهم : الآخران من غيركم، والآخران اللذان يقومان مقامهما، أي أن يأتي كلّ واحد منهم.
فجمع الضمير على إرادة التوزيع.
والمعنى أنّ ما شرع الله من التوثيق والضبط، ومن ردّ الشهادة عند العثور على الريبة أرجى إلى الظنّ بحصول الصدق لكثرة ما ضبط على كلا الفريقين ممّا ينفي الغفلة والتساهل، بله الزور والجور مع توقّي سوء السمعة.
ومعنى ﴿ أن يأتوا بالشهادة ﴾ : أن يؤدّوا الشهادة.
جعل أداؤها والإخبار بها كالإتيان بشيء من مكان.
ومعنى قوله ﴿ على وجهها ﴾، أي على سنّتها وما هو مقوّم تمامها وكمالها، فاسم الوجه في مثل هذا مستعار لأحسن ما في الشيء وأكمله تشبيهاً بوجه الإنسان، إذ هو العضو الذي يعرف به المرء ويتميز عن غيره.
ولمّا أريد منه معنى الاستعمارة لهذا المعنى، وشاع هذا المعنى في كلامهم، قالوا : جاء بالشيء الفلاني على وجهه، فجعلوا الشيء مأتيّاً به، ووصفوه بأنه أتي به متمكّناً من وجهه، أي من كمال أحواله.
فحرف ( على ) للاستعلاء المجازي المراد منه التمكّن، مثل ﴿ أولئك على هدى من ربّهم ﴾ [ البقرة : ٥ ].