والجارّ والمجرور في موضع الحال من ﴿ الشهادة ﴾، وصار ذلك قرينة على أنّ المراد من الوجه غير معناه الحقيقي.
وسنّة الشهادة وكمالها هو صدقها والتثبّت فيها والتنبّه لما يغفل عنه من مختلف الأحوال التي قد يستخفّ بها في الحال وتكون للغفلة عنها عواقب تضيِّع الحقوق، أي ذلك يعلّمهم وجه التثبّت في التحمّل والأداء وتوخّي الصدق، وهو يدخل في قاعدة لزوم صفة اليقظة للشاهد.
وفي الآية إيماء إلى حكمة مشروعية الإعذاء في الشهادة بالطعن أو المعارضة، فإنّ في ذلك ما يحمل شهود الشهادة على التثبّت في مطابقة شهادتهم، للواقع لأنّ المعارضة والإعذار يكشفان عن الحقّ.
وقوله ﴿ أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم ﴾ عطف على قوله ﴿ أن يأتوا ﴾ باعتبار ما تعلّق به من المجرورات، وذلك لأنّ جملة ﴿ يأتوا بالشهادة على وجهها ﴾ أفادت الإتيان بها صادقة لا نقصان فيها بباعث من أنفس الشهود، ولذلك قدّرناه بمعنى أن يعلموا كيف تكون الشهادة الصادقة.
فأفادت الجملة المعطوف عليها إيجاد وازع للشهود من أنفسهم، وأفادت الجملة المعطوفة وازعاً هو توقّع ظهور كذبهم.
ومعنى ﴿ أن تردّ أيمان ﴾ أن تُرَجَّع أيمان إلى ورثة الموصي بعد أيمان الشهيدين.
فالردّ هنا مجاز في الانتقال، مثل قولهم : قلب عليه اليمين، فيعيَّروا به بين الناس ؛ فحرف ( أوْ ) للتقسيم، وهو تقسيم يفيد تفصيل ما أجمله الإشارة في قوله :﴿ ذلك أدنى ﴾ الخ...
وجمع ﴿ الأيمان ﴾ باعتبار عموم حكم الآية لسائر قضايا الوصايا التي من جنسها، على أنّ العرب تعدل عن التثنية كثيراً.
ومنه قوله تعالى :﴿ إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ﴾ [ التحريم : ٤ ]
وذيّل هذا الحكم الجليل بموعظة جميع الأمّة فقال :﴿ واتّقوا الله ﴾ الآية.
وقوله ﴿ واسمعوا ﴾ أمر بالسمع المستعمل في الطاعة مجازاً، كما تقدّم في قوله تعالى :﴿ إذ قلتم سمعنا وأطعنا ﴾ في هذه السورة ( ٧ ).