وقوله ﴿ والله لا يهدي القوم الفاسقين ﴾ تحريض على التقوى والطاعة لله فيما أمر ونهى، وتحذير من مخالفة ذلك، لأنّ في اتّباع أمر الله هُدى وفي الإعراض فسقاً.
﴿ والله لا يهدي القوم الفاسقين ﴾ أي المعرضين عن أمر الله، فإنّ ذلك لا يستهان به لأنّه يؤدّي إلى الرين على القلب فلا ينفذ إليه الهدى من بعدُ فلا تكونُوهم وكونوا من المهتدين.
هذا تفسير الآيات توخّيتُ فيه أوضح المعاني وأوفقها بالشريعة، وأطلت في بيان ذلك لإزالة ما غمض من المعاني تحت إيجازها البليغ.
وقد نقل الطيبي عن الزجّاج أنّ هذه الآية من أشكل ما في القرآن من الإعراب.
وقال الفخر : رَوَى الواحدي عن عمر : هذه الآية أعضل ما في هذه السورة من الأحكام.
وقال ابن عطية عن مكّي بن أبي طالب : هذه الآيات عند أهل المعاني من أشكل ما في القرآن إعراباً ومعنى وحكماً.
قال ابن عطية : وهذا كلام من لم يقع له الثلج في تفسيرها.
وذلك بيّن من كتابه.
ولقصد استيفاء معاني الآيات متتابعة تجنّبت التعرّض لما تفيده من الأحكام واختلاف علماء الإسلام فيها في أثناء تفسيرها.
وأخّرت ذلك إلى هذا الموضع حين انتهيت من تفسير معانيها.
وقد اشتملت على أصلين : أحدهما الأمر بالإشهاد على الوصية، وثانيهما فصل القضاء في قضية تميم الداري وعدي بن بدّاء مع أولياء بديل بن أبي مريم.
فالأصل الأول : من قوله تعالى :﴿ شهادة بينكم ﴾ إلى قوله ﴿ ولا نكتم شهادة الله ﴾.
والأصل الثاني : من قوله :﴿ فإن عثر على أنّهما استحقّا إثماً ﴾ إلى قوله ﴿ بعد أيمانهم ﴾.
ويحصل من ذلك معرفة وجه القضاء في أمثال تلك القضية ممّا يتّهم فيه الشهود.
وقوله :﴿ شهادة بينكم ﴾ الآية بيان لكيفية الشهادة، وهو يتضمّن الأمر بها، ولكن عدل عن ذكر الأمر لأنّ الناس معتادون باستحفاظ وصاياهم عند محلّ ثقتهم.