وأهمّ الأحكام التي تؤخذ من الآية ثلاثة : أحدها : استشهاد غير المسلمين في حقوق المسلمين، على رأي من جعله المراد من قوله ﴿ أو آخران من غيركم ﴾.
وثانيها : تحليف الشاهد على أنّه صادق في شهادته.
وثالثها : تغليظ اليمين بالزمان.
فأمّا الحكم الأول : فقد دلّ عليه قوله تعالى :﴿ أو آخران من غيركم ﴾.
وقد بيّنا أنّ الأظهر أنّ الغيرية غيرية في الدين.
وقد اختلف في قبول شهادة غير المسلمين في القضايا الجارية بين المسلمين ؛ فذهب الجمهور إلى أنّ حكم هذه الآية منسوخ بقوله تعالى :﴿ وأشهدوا ذوي عدل منكم ﴾ [ الطلاق : ٢ ] وقوله ﴿ ممّن ترْضَوْن من الشهداء ﴾ [ البقرة : ٢٨٢ ] وهذا قول مالك، وأبي حنيفة، والشافعي.
وذهب جماعة إلى أنّ الآية محكمة، فمنهم من جعلها خاصّة بالشهادة على الوصية في السفر إذا لم يكن مع الموصي مسلمون.
وهو قول أبي موسى الأشعري، وابن عباس، وقضى بذلك أبو موسى الأشعري في وصية مثل هذه، أيام قضائه بالكوفة، وقال : هذا أمر لم يكن بعدَ الذي كان في عهد رسول الله ﷺ وهو قول سعيد بن المسيّب، وابن جبير، وشريح، وابن سيرين، ومجاهد، وقتادة، والسدّي، وسفيان الثوري، وجماعة، وهم يقولون : لا منسوخ في سورة المائدة، تبعاً لابن عباس.
ومنهم من تأوّل قوله ﴿ من غيركم ﴾ على أنّه من غير قبيلتكم، وهو قول الزهري، والحسن، وعكرمة.
وقال أحمد بن حنبل بقياس بقية العقود المشهود فيها في السفر على شهادة الوصية، فقال بأنّ شهادة أهل الذمّة على المسلمين في السفر ماضية، وزاد فجعلها بدون يمين.


الصفحة التالية