الثالثة : رجاء النفع المأمور، كما قال تعالى :﴿ مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٦٤ ]، وقال تعالى :﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين ﴾ [ الذاريات : ٥٥ ]، وقد أوضحنا هذا البحث في كتابنا ( دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب ) في سورة الأعلى في الكلام على قوله تعالى
﴿ فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذكرى ﴾ [ الأعلى : ٩ ]، ويجب على الإنسان أن يأمر أهله بالمعروف كزوجته وأولاده ونحوهم، وينهاهم عن المنكر. لقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ﴾ [ التحريم : ٦ ] الآية، وقوله ﷺ :" كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيَّته "، الحديث.
المسألة الرابعة : اعلم أن من أعظم أنواع الأمر بالمعروف كلمة حق عند سلطان جائر، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النَّبي ﷺ، قال :" أفضل الجهاد كلمة تدل عند سلطان جائر "، أخرجه أبو داود، والترمذي، وقال : حديث حسن.
وعن طارق بن شهاب رضي الله عنه : أن رجلاً سأل النَّبي ﷺ، وقد وضع رجله في الغرز : أيُّ الجهاد أفضل؟ قال :" كلمة حق عند سلطان جائر " رواه النسائي بإسناد صحيح.
كما قاله النووي رحمه الله، واعلم أن الحديث الصحيح قد بين أن أحوال الرعية مع ارتكاب السلطان ما لا ينبغي ثلاث :
الأولى : أن يقدر على نصحه وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر من غير أن يحصل منه ضرر أكبر من الأول، فآمره في هذه الحالة مجاهد سالم من الإثم، ولو لم ينفع نصحه ويجب أن يكون نصحه له بالموعظة الحسنة مع اللطف. لأن ذلك هو مظنة الفائدة.
الثانية : ألا يقدر على نصحه لبطشه بمن يأمره، وتأدية نصحه لمنكر أعظم، وفي هذه الحالة يكون الإنكار عليه بالقلوب، وكراهة منكره والسخط عليه، وهذه الحالة هي أضعف الإيمان.


الصفحة التالية
Icon