وقال ابن المبارك قوله تعالى :﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ خطاب لجميع المؤمنين، أي عليكم أهل دينكم ؛ كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ فكأنّه قال : ليأمر بعضكم بعضاً ؛ وليْنَه بعضكم بعضاً ؛ فهو دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يضركم ضلال المشركين والمنافقين وأهل الكتاب ؛ وهذا لأن الأمر بالمعروف يجري مع المسلمين من أهل العصيان كما تقدّم ؛ وروي معنى هذا عن سعيد بن جبير.
وقال سعيد بن المسيب : معنى الآية لا يضركم من ضل إذا اهتديتم بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقال ابن خُوَيزِمَنْدَاد : تضمنت الآية اشتغال الإنسان بخاصة نفسه، وتركه التعرض لمعائب الناس، والبحث عن أحوالهم ؛ فإنهم لا يسألون عن حاله فلا يسأل عن حالهم وهذا كقوله تعالى :﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [ المدثر : ٣٨ ]، ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ [ الأنعام : ١٦٤ وفاطر : ١٨ ].
وقول النبي ﷺ :" كن جليس بيتك وعليك بخاصة نفسك " ويجوز أن يكون أريد به الزمان الذي يتعذر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فينكر بقلبه، ويشتغل بإصلاح نفسه.
قلت : قد جاء حديث غريب رواه ابن لَهِيعة : قال حدثنا بكر بن سَوَادَة الجُذاميّ عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله ﷺ :" إذا كان رأس مائتين فلا تأمر بمعروف ولا تنه عن منكر وعليك بخاصة نفسك " قال علماؤنا : إنما قال عليه السلام ذلك لتغير الزمان، وفساد الأحوال، وقلة المعينين.
وقال جابر بن زيد : معنى الآية ؛ يا أيها الذين آمنوا من أبناء أُولئك الذين بحروا البحيرة وسيبوا السوائب ؛ عليكم أنفسكم في الاستقامة على الدّين، لا يضركم ضلال الأسلاف إذا اهتديتم ؛ قال : وكان الرجل إذا أسلم قال له الكفار سفَّهْت آباءَك وضلّلتهم وفعلتَ وفعلتَ ؛ فأنزل الله الآية بسبب ذلك.


الصفحة التالية
Icon