والكلام هنا جهته منفكة، فإبراهيم قد آمن، والإيمان اطمئنان القلب إلى عقيدة ما، وما جرى زاد إبراهيم تيقناً. ولم يسأل إبراهيم ربه : أتحيى الموتى ولكن إبراهيم أقر أولاً بقدرة الحق على الإحياء وتساءل عن الكيفية. وطلب الكيفية لا شأن له بالإيمان ؛ لأن الكيفية تتطلب تجربة. فأمره الحق أن يأتي بأربعة من الطير وضمها إليه ليتعرف عليها جيداً. وأن يقطعها إبراهيم بيديه ويضع كل قطعة على جبل ويناديها، فتأتي القطع بنداء إبراهيم وقد صارت هي الطير نَفْسَهَا التي كانت من قبل.
وهكذا أراد الله لعيسى عليه السلام أن يصنع من الطين مثل هيئة الطير بإذن الله وأن ينفخ فيها بإذن الله فيصير الطين طيراً.
وأراد الله لعيسى أن يبرئ الأكمه أي الذي ولد أعمى. وقد يقول قائل : إن في عصرنا يتم ترقيع القرنية ويمكن أن يَرَى ويبصر بعض من الذين ولدوا بلا قدرة على الإبصار. ونقول : إن ما يحدث في عصرنا هو سبق وتقدم على بناء على تجارب، أما ما حدث مع عيسى فكان خرقاً للناموس وأراده الله معجزة. وكذلك أراد الله أن يجري على عيسى شفاء الأبرص أي الذي أصابه بياض كالرقع في بشرته. وكذلك كف بني إسرائيل عنه عندما أرادوا إيذاءه وقتله. وعندما رأوا كل ذلك آمن بعضهم، وكفر البعض واتهموا عيسى عليه السلام بأنه ساحر. وكان ذلك منهم كذبا وافتراء عليه ؛ لأنه نبي مرسل بمعجزات واضحة.


الصفحة التالية
Icon