وقال الزمخشرى :
فإن قلت : كيف قالوا :﴿ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ﴾ بعد إيمانهم وإخلاصهم؟
قلت : ما وصفهم الله بالإيمان والإخلاص، وإنما حكى ادعاءهم لهما، ثم أتبعه قوله :﴿ إِذَ قَالُواْ ﴾ فآذن إنّ دعواهم كانت باطلة، وإنهم كانوا شاكين، وقوله :( هل يستطيع ربك ) كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم، وكذلك قول عيسى عليه السلام لهم معناه : اتقوا الله ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته، ولا تقترحوا عليه، ولا تتحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها (١) ﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ إن كانت دعواكم للإيمان صحيحة.
وقرىء :"هل تستطيع ربك"، أي هل تستطيع سؤال ربك، والمعنى : هل تسأله ذلك من غير صارف يصرفك عن سؤاله. أ هـ ﴿الكشاف حـ ١ صـ ٧٢٤﴾
وقال البيضاوى :
﴿ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ السماء ﴾ لم يكن بعد عن تحقيق واستحكام معرفة. وقيل هذه الاستطاعة على ما تقتضيه الحكمة والإِرادة لا على ما تقتضيه القدرة. وقيل المعنى هل يطيع ربك أي هل يجيبك، واستطاع بمعنى أطاع كاستجاب وأجاب. وقرأ الكسائي "تستطيع ربك" أي سؤال ربك، والمعنى هل تسأله ذلك من غير صارف. أ هـ ﴿تفسير البيضاوى حـ ٢ صـ ٣٧٩ ـ ٣٨٠﴾
وقال النسفى :
﴿ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ﴾ هل يفعل أو هل يطيعك ربك إن سألته، فاستطاع وأطاع بمعنى كاستجاب وأجاب. أ هـ ﴿تفسير النسفى حـ ١ صـ ٣٠٩﴾

(١) لا يخفى ما فى هذا الكلام من البعد فالآيات الكريمة تعدد نعم الله تعالى على نبيه عيسى عليه السلام ومن بينها أن أيده بإيمان الحواريين به ونصرتهم له. وقد وجه كثير من المفسرين هذا السؤال توجيهات حسنة، تم ذكرها ولله الحمد والمنة.


الصفحة التالية
Icon