وقال الثعلبى :
قرأ علي وعائشة وابن عباس وابن جبير ومجاهد : هل تستطيع بالتاء، ربك بنصب الباء، وهو اختيار الكسائي وأبي عبيد على معنى هل تستطيع أن تدعو ربّك كقوله ﴿ وَسْئَلِ القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ] وقالوا : لأن الحواريين لم يكونوا شاكّين في قدرة اللّه تعالى. وقرأ الباقون بالياء قيل : يستطيع ربك برفع الباء فقالوا : إنهم لم يشكوا في قدرة اللّه تعالى وإنما معناه هل ينزل أم لا كما يقول الرجل لصاحبه : هل تستطيع أن تنهض معي وهو يعلم أنّه يستطيع وإنّما يريد هل يفعل أم لا، وأجراه بعضهم على الظاهر، فقالوا : غلط قوم وكانوا مشوا، فقال لهم عيسى عند الغلط استعظاماً لقولهم : هل يستطيع ربك ﴿ اتقوا الله إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ أي أن تشكوا في قدرة اللّه تعالى أو تنسبوه إلى عجز أو نقصان ولستم بمؤمنين. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٤ صـ ﴾
وقال الماوردى :
قرأ الكسائي وحده ﴿ هل تَّستطيع ربَّك ﴾ بالتاء والإِدغام، وربك بالنصب، وفيها وجهان :
أحدهما : معناه هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله، قاله الزجاج.
والثاني : هل تستطيع أن تسأل ربك، قاله مجاهد، وعائشة.
وقرأ الباقون ﴿ هل يستطيع ربك ﴾ بالياء والإِظهار، وفي ذلك التأويل ثلاثة أوجه :
أحدها : هل يقدر ربك، فكان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله تعالى.
والثاني : معناه هل يفعل ربك، قاله الحسن، لأنهم سموا بالحواريين بعد إيمانهم.
والثالث : معناه هل يستجيب لك ربك ويطيعك.
﴿ أَن يُنَزِّلَ عَلَينَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَآءِ ﴾ قاله السدي. أ هـ ﴿النكت والعيون حـ ٢ صـ ﴾
وقال محمد بن أبى بكر الرازى :
هذا استفهام عن الفعل لا عن القدرة كما يقول الفقير للغنى : هل تقدر أن تعطينى شيئا ؟ وهذه تسمى استطاعة المطاوعة لا استطاعة القدرة.
فإن قيل : لو كان المراد هذا المعنى لما أنكر عليهم عيسى عليه السلام بقوله ﴿اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
قلنا : إنكاره عليهم إنما كان لأنهم أتو بلفظ يحمل المعنى الذى لا يليق بالمؤمن المخلص إرادته وإن كانوا لم يريدوا. أ هـ ﴿تفسير الرازى صـ ١٢٨﴾