وهذا الجواب منهم عليهم السلام نحو خضوع لحضرة العظمة والكبرياء واعتراف بحاجتهم الذاتية وبطلانهم الحقيقي قبال مولاهم الحق رعاية لأدب الحضور وإظهارا لحقيقة الأمر، وليس جوابا نهائيا لا جواب بعده ألبتة : أما أولا فلأن الله سبحانه جعلهم شهداء على اممهم كما ذكره في قوله :" فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " ( النساء : ٤١ ) وقال :" ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء " ( الزمر : ٦٩ ) ولا معنى لجعلهم شهداء إلا ليشهدوا على أممهم يوم القيامة بما هو حق الشهادة يومئذ، فلا محالة هم سيشهدون يومئذ كما قدر الله ذلك فقولهم يومئذ :" لا علم لنا " جرى على الأدب العبودي قبال الملك الحق الذى له الأمر والملك يومئذ، وبيان لحقيقة الحال وهو أنه هو يملك العلم لذاته ولا يملك غيره إلا ما ملكه، ولا ضير أن يجيبوا بعد هذا الجواب بمالهم من العلم الموهوب المتعلق بأحوال أممهم، وهذا مما يؤيد ما قدمناه في البحث عن قوله تعالى :" وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، الآية " ( البقرة : ١٤٣ ) في الجزء الأول من هذا الكتاب : أن هذا العلم والشهادة ليسا من نوع العلم والشهادة المعروفين عندنا وأنهما من العلم المخصوص بالله الموهوب لطائفة من عباده المكرمين.


الصفحة التالية