وأما ثانيا فلأن الله سبحانه أثبت العلم لطائفة من مقربى عباده يوم القيامة على ما له من الشأن، قال تعالى :" وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث " ( الروم : ٥٦ ) وقال تعالى :" وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم " ( الاعراف : ٤٦ ) وقال تعالى :" ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " ( الزخرف : ٨٧ ) وعيسى بن مريم عليه السلام ممن تعمه الآية وهو رسول فهو ممن يشهد بالحق وهم يعلمون، وقال تعالى :" وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " ( الفرقان : ٣١ ) والمراد بالرسول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والذى تحكيه الآية من قوله هو بعينه جواب لما تشتمل عليه هذه الآية من السؤال أعنى قوله تعالى :" فيقول ماذا أجبتم " فظهر أن قول الرسل عليهم السلام :" لا علم لنا " ليس جوابا نهائيا كما تقدم.
وأما ثالثا فلأن القرآن يذكر السؤال عن المرسلين والمرسل إليهم جميعا كما قال تعالى :" فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين " ( الاعراف : ٦ ) ثم ذكر عن الأمم المرسل إليهم جوابات كثيرة عن سؤالات كثيرة، والجواب يستلزم العلم كما أن السؤال يقرره، وقال أيضا فيهم :" لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " ( ق : ٢٢ )، وقال أيضا : ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " ( السجدة : ١٢ ) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، وإذا كانت الأمم - وخاصة المجرمون منهم - على علم في هذا اليوم فكيف يتصور أن يعدمه الرسل الكرام عليهم السلام فالمصير إلى ما قدمناه. أ هـ ﴿الميزان حـ ٥ صـ ٢٠٠ ـ ٢٠٣﴾